في مقال نشره موقع ميدل إيست آي، ينتقد الكاتب يورجن ماكيرت صمت النخب السياسية والأكاديمية والدينية في ألمانيا على ما يحدث في غزة، حيث فرضت إسرائيل حصارًا كاملاً على أكثر من مليوني فلسطيني، وحرمتهم من الطعام والماء والدواء والوقود. منذ أواخر مايو، فرضت إسرائيل نظامًا قاسيًا لتوزيع المساعدات الإنسانية، وصفه الكاتب بأنه فخ قاتل يهدف إلى إبادة الفلسطينيين جوعًا، بينما تواصل النخب الألمانية صمتها المطبق.
يرى الكاتب أن هذا الصمت ليس جديدًا، بل يعبّر عن تحالف قديم بين النخب الألمانية والدولة الإسرائيلية. ألمانيا التي شهدت واحدة من أعظم الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين، أصبحت تدعم اليوم نظامًا يُحاكم بتهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية. عبارات مثل "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها" تحوّلت إلى مبررات لحرق الأطفال أحياء في خيام اللجوء وتجويعهم حتى الموت، على حد وصف المقال.
يتّهم الكاتب النخبة الألمانية بفقدان البوصلة الأخلاقية، ويصف صمتها في مواجهة الجرائم الإسرائيلية بأنه فضيحة أخلاقية كبرى. يرى أن هذا الصمت ليس محاولة لانتظار نهاية المجازر على أمل عودة الأمور إلى طبيعتها، بل هو دليل على تحالف وجودي مع المشروع الصهيوني، مهما بلغت بشاعته.
يقول الكاتب إن هذا الصمت يكشف ما حاولت ألمانيا إخفاءه طويلًا: أن مشروع "اجتثاث النازية" لم ينجح فعليًا، وأن إعادة التثقيف بعد الحرب كانت سطحية، وأن الإرث الاستعماري للبلاد لم يُواجه أبدًا. التعليم الألماني رسّخ صورة مثالية للبلاد كدولة ديمقراطية حامية لحقوق الإنسان، لكن الواقع يظهر العكس، حيث تحكم النخبة الألمانية عقلية استعلائية بيضاء لم تتزحزح منذ الحقبة الاستعمارية.
يرى المقال أن الدعم الألماني لإسرائيل، حتى في أحلك فصول عدوانها، يعكس صدى الاستعمار والنازية لا نقيضهما. مجازر غزة، بحسب الكاتب، تعيد إلى الأذهان الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الألماني في إفريقيا، ثم النازية في أوروبا، والآن تُكرَّر بمباركة ألمانية في الشرق الأوسط.
يهاجم الكاتب المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس، الذي استقبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ كأول ضيف أجنبي له، ووقف إلى جانبه أمام صورة لمكان يُعرف اليوم بـ"شاطئ لفني"، مقام على أنقاض قرية فلسطينية دمرها الاحتلال عام 1948. يندد الكاتب بصمت ميرتس عن تلك الحقيقة، وبتمجيده لإسرائيل رغم عدوانها على إيران وانتهاكها الصريح للقانون الدولي.
ينتقد المقال كذلك وزير الخارجية الألماني الجديد يوهان فاديبول، الذي زار إسرائيل في أول رحلة خارجية له، ودافع عن منع المساعدات عن غزة بذريعة احتمال سيطرة حماس عليها. كما يهاجم الكنيسة البروتستانتية التي منعت عرضًا متنقلًا عن النكبة في مايو 2025، رغم السماح للسياسيين الداعمين لإسرائيل باعتلاء منصاتها.
يرى الكاتب أن الإعلام الألماني، ممثلًا في صحيفة زود دويتشه تسايتونغ، شارك في تبرير الصمت، إذ دعت الصحيفة إلى التخفيف من حدة انتقاد إسرائيل خشية الاتهام بالتخلي عن "شعب مصدوم"، وهي بحسب الكاتب دعوة صريحة إلى التضامن مع المعتدي بدلًا من الضحية.
يشير المقال إلى ما وصفه بـ"خيانة النخب الأكاديمية" في ألمانيا، حيث ألغت جامعات عريقة مثل لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ وجامعة برلين الحرة فعاليات مؤيدة لفلسطين، ورفضت استضافة شخصيات بارزة مثل فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
يرى الكاتب أن كل ذلك يكشف عن ذنب جديد لألمانيا، لا يتعلّق بالماضي بل بالحاضر: ذنب استخدام ذكرى المحرقة لتبرير جريمة إبادة جديدة. يختتم مقاله بالقول إن نخب ألمانيا فقدت أي حق في الحديث عن القيم والحقوق، لأنها صمتت على موت الأطفال عطشًا وجوعًا، وشاركت في جريمة كبرى بصمتها المخزي.
https://www.middleeasteye.net/opinion/germanys-silence-gaza-children-starve-reveals-dark-secret