بينما تدخل مصر أجواء انتخابات مجلسي النواب والشيوخ المقررة في النصف الثاني من العام الحالي، تتضح ملامح برلمان جديد يُعاد تشكيله تحت أعين الأجهزة الأمنية، في ظل غياب المعارضة الحقيقية وتنافس محموم بين "الموالين للنظام" على مقاعد محسومة سلفاً.
تحالف انتخابي جديد، يحمل اسم "القائمة الوطنية"، يستعد لدخول المشهد مدعوماً بأحزاب محسوبة على النظام مثل "مستقبل وطن"، و"الجبهة الوطنية"، و"حماة الوطن"، و"الشعب الجمهوري"، و"مصر الحديثة"، و"الوفد"، و"المؤتمر"، و"إرادة جيل"، و"الحرية"، إلى جانب "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين".
باستثناء "الجبهة الوطنية" حديثة التأسيس، كانت هذه الأحزاب هي ذاتها مكوّنة القائمة الموالية التي فازت بجميع مقاعد القائمة المغلقة في انتخابات 2020 تحت اسم "من أجل مصر".
وبحسب مصادر سياسية فإن القائمة الجديدة جرى إعدادها بالكامل داخل أروقة أجهزة الأمن، وسط توقعات بحصولها على مقاعد القائمة المغلقة كاملة (284 نائبًا في النواب، و100 في الشيوخ)، إلى جانب عدد كبير من مقاعد الفردي، ما يضمن أغلبية كاسحة، ويكرّس البرلمان كأداة تنفيذية في يد السلطة.
"معارضة من ورق"... وسباق داخل عباءة السيسي
ورغم ما تدعيه أحزاب "المصري الديمقراطي"، و"الإصلاح والتنمية"، و"العدل" من معارضة، فإنها شاركت في الانتخابات الماضية ضمن القائمة المدعومة من "مستقبل وطن"، وحصدت 25 مقعداً مجتمعة، في مشهد كرّس نموذج "المعارضة الشكلية"، فيما جرى إقصاء قوى المعارضة الحقيقية بتلاعبات مكشوفة في النتائج وتدخلات أمنية في معظم الدوائر.
أما اليوم، فالمعركة الانتخابية المقبلة لا تدور بين معارض وموالٍ، بل بين جناحين مواليين للسلطة، يتنافسان على تمثيل المصالح داخل البرلمان، وتحقيق أكبر قدر من النفوذ في تشكيله المقبل.
إقصاء جماعي تحت إشراف سيادي
تتضمن التعديلات الأخيرة على قوانين الانتخابات التي صدّق عليها عبد الفتاح السيسي، تثبيت عدد المقاعد في مجلسي النواب (568 نائبًا يُنتخبون + 30 بالتعيين) والشيوخ (200، بينهم 100 تعيين)، مع استمرار النظام المختلط بين القوائم المغلقة والنظام الفردي، دون أي حوار وطني.
وتفيد مصادر بأن قائمة المستبعدين من الترشح تتضمن 30% من النواب الحاليين، لأسباب متنوعة: التقدّم في السن، ضعف الأداء، التغيب المزمن، الارتباط بتيارات دينية أو تورّط في قضايا مالية، منها إصدار شيكات بلا رصيد.
ومن أبرز الأسماء المرشحة للاستبعاد:
- د. فخري الفقي (رئيس لجنة الخطة والموازنة)
- محمد كمال مرعي (المشروعات الصغيرة)
- درية شرف الدين (الثقافة والإعلام)
- إبراهيم الهنيدي (التشريعية والدستورية)
- بهاء الدين أبو شقة (وكيل الشيوخ)
- نبيل دعبس (لجنة التعليم بالشيوخ)
- رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة (الشباب والرياضة)
وسيجري استبدال عدد من هؤلاء بوجوه محسوبة على أجهزة الدولة، مثل محمود مسلم، الذي سينتقل من مجلس الشيوخ إلى رئاسة لجنة الإعلام بالنواب بعد انضمامه لحزب "الجبهة الوطنية"، وكذلك عودة علي عبد العال، رئيس مجلس النواب السابق، إلى الواجهة مجددًا بعد تهميشه لخمس سنوات.
تقليم أظافر حزب النور... ونهاية "الحضور الإسلامي الموالي"
مصادر مطلعة أكدت أن مؤسسة الرئاسة اتخذت قراراً نهائيًا بإنهاء وجود حزب "النور" السلفي في الحياة السياسية، رغم موالاته للنظام، في توجه جديد يهدف لإغلاق الباب أمام أي تمثيل ديني في المجال العام، ولو كان ضمن السياق الرسمي. ويمتلك "النور" حالياً 7 مقاعد برلمانية ستختفي وفق الخطة الجديدة.
تغيير في الوجوه العسكرية... وتدخل مباشر في التعيينات
ولأول مرة، شهد مجلس الشيوخ في تشكيله الحالي تدخلاً مباشرًا من مؤسسات سيادية في تعيين أعضائه. فقد رشحت وزارة الدفاع والمخابرات العامة عشرات الأسماء لتعيينها في المجلس، من بينهم قادة عسكريون وقيادات حزبية شابة موالية. في المقابل، تستعد الجهات الرسمية لاستبعاد عدد من القيادات السابقة مثل:
اللواء فرج الدري (أمين عام الشورى سابقًا)
عبد السلام الجبلي (الزراعة)
19 عسكرياً سابقاً
5 من قيادات الشرطة
من "حب مصر" إلى "الجبهة الوطنية": واجهات تتبدل والولاء واحد
في 2020، وُلد حزب "مستقبل وطن" كامتداد مباشر لقائمة "في حب مصر" التي أسسها اللواء سامح سيف اليزل قبيل انتخابات 2015.
واليوم، يتكرر السيناريو ذاته مع حزب "الجبهة الوطنية"، المحسوب على رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، صاحب النفوذ المتصاعد في جنوب سيناء ومعبر رفح.
العرجاني اختار وزير الإسكان السابق عاصم الجزار رئيساً للحزب، وضم إليه نجلَه عصام، إلى جانب شخصيات مثيرة للجدل مثل النائب سليمان وهدان، ورجل الأعمال أيمن الجميل المدان في قضايا فساد.
ويبدو أن "الجبهة" تسعى لتكرار تجربة "مستقبل وطن" من بوابة المال والنفوذ، بالتوازي مع انسحاب تدريجي لبعض وجوه "مستقبل وطن" القديمة.
مرتضى منصور نموذجًا... الثمن السياسي للمشاغبين
اللافت في هذه العملية الانتخابية المؤمّنة، أن أي محاولة للخروج عن النص تُواجه بردع فوري.
مرتضى منصور، البرلماني السابق ورئيس نادي الزمالك، قال إن "مستقبل وطن" طالبه بدفع 50 مليون جنيه للانضمام لقائمته.
وما لبث أن تم استبعاده من سباق النواب، ثم الإطاحة به من رئاسة الزمالك بقرار من وزير الرياضة، في واحدة من أكثر القصص السياسية دلالة على قواعد اللعبة الجديدة: الولاء مقابل المقعد.
برلمان بلا مفاجآت
كل ما في المشهد الانتخابي المقبل يُشير إلى أن "البرلمان القادم مفصل على المقاس"، لا مكان فيه للمعارضة، ولا مفاجآت في نتائجه. هي انتخابات تُدار من خلف الستار، وتُحسم قبل الاقتراع، واللاعبون جميعهم يدينون بالولاء الكامل للرئيس، فيما يُعاد تدوير الوجوه على إيقاع الحسابات الأمنية.
وتبقى الدولة في ظل هذا الإخراج السياسي، بدون برلمان رقابي حقيقي، وبلا تعددية، ولا أمل في إصلاح تشريعي أو مساءلة مؤسساتية، بينما تتحول الاستحقاقات الانتخابية إلى إجراءات شكلية، هدفها تثبيت المشهد القائم، لا تغييره.