هزت موجة من الاحتجاجات الداخلية أروقة وزارة الخارجية البريطانية، حيث وجه أكثر من 300 موظف رسالة احتجاجية إلى وزير الخارجية ديفيد لامي، معبرين عن قلقهم العميق من احتمال تورط بريطانيا في دعم انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في قطاع غزة.
الرسالة، التي وُجهت في 16 مايو 2025، كشفت عن تصاعد الإحباط بين موظفي الوزارة إزاء استمرار سياسات الحكومة، بما في ذلك تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، واستقبال مسؤولين إسرائيليين مشتبه بضلوعهم في خرق القانون الدولي، وسط اتهامات بـ"التواطؤ" في حرب وُصفت بـ"الإبادة الجماعية" في غزة.
رسالة احتجاجية تكشف انقسامات داخلية
وفقًا لتقرير شبكة "بي بي سي"، وقّع الموظفون، الذين يمثلون طيفًا واسعًا من إدارات الوزارة وسفاراتها في الخارج، رسالة تُعد الرابعة من نوعها منذ أواخر عام 2023، مما يعكس تصاعد القلق داخل الأوساط الحكومية البريطانية.
وأعرب الموقعون عن مخاوفهم من تحملهم مسؤوليات قانونية مستقبلية نتيجة تنفيذ سياسات الحكومة الحالية، التي اعتبروها متورطة في دعم إسرائيل رغم انتهاكاتها الموثقة في غزة.
وأشاروا إلى أن الحكومة الإسرائيلية، بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وضعت خططًا لنقل قسري لسكان غزة، إضافة إلى استخدام "التجويع كسلاح حرب" من خلال تعليق المساعدات الإنسانية منذ مارس 2025.
وجاء في الرسالة انتقادات حادة لاستمرار صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل، واستقبال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في لندن في أبريل الماضي، رغم الاشتباه بضلوعه في انتهاكات القانون الدولي. كما استنكر الموظفون مقتل 15 عامل إغاثة في غزة خلال مارس 2025، واصفين ذلك بـ"الجرائم الجسيمة" التي تتطلب وقفة دولية حاسمة.
رد الوزارة: دعوة للاستقالة تثير الغضب
رد كبار المسؤولين في الخارجية البريطانية، وهم السير أوليفر روبنز ونيك داير، على الرسالة بلهجة أثارت غضب الموظفين، حيث اقترحوا أن من "يعارض بعمق" سياسات الحكومة يمكنه اللجوء إلى "الاستقالة كمسار مشرف".
وقد وصف أحد الموقعين على الرسالة، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، هذا الرد بأنه "إغلاق لمساحة النقاش"، معبرًا عن إحباط واسع بين الموظفين الذين رأوا فيه محاولة لقمع الاعتراضات الداخلية. وأضاف: "هناك شعور عميق بخيبة الأمل إزاء تضييق مساحة التعبير عن القلق، في وقت نحتاج فيه إلى نقاش مفتوح حول تداعيات سياساتنا".
في المقابل، أكدت الخارجية البريطانية أن لديها أنظمة تتيح للموظفين التعبير عن مخاوفهم، مشيرة إلى أن الحكومة "تطبق القانون الدولي بصرامة". وأوضحت أنها علقت نحو 30 ترخيصًا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل منذ سبتمبر 2024، من أصل 350، بسبب "خطر واضح" من استخدامها في انتهاكات جسيمة. كما أوقفت تصدير قطع غيار مقاتلات "إف-35"، والقنابل، والذخائر الفتاكة التي يمكن استخدامها في غزة. ومع ذلك، اعتبر الموظفون هذا الرد "غير كافٍ"، مشيرين إلى استمرار شحنات أخرى قد تُستخدم في تسهيل جرائم الحرب.
كشف وثائق: ثغرات في ضوابط تصدير الأسلحة
أضاف الكشف عن وثائق جديدة زخمًا إلى الجدل، حيث أفادت تقارير من موقعي "ديكلاسيفايد" و"ديتش" البريطانيين أن شركة "بيرمويد إندستري" في مدينة دورهام أرسلت 16 شحنة من "حاويات التخزين" تزن أكثر من 100 طن إلى شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023. وتشمل هذه الشحنات أكثر من 1000 حاوية ذخيرة، مما أثار تساؤلات حول فعالية ضوابط تصدير الأسلحة في المملكة المتحدة. ويُخشى أن تُستخدم هذه الحاويات في تسهيل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في غزة، مما يكشف عن ثغرات خطيرة في اللوائح البريطانية.
وأشار تقرير "ديكلاسيفايد" إلى أن محركات الطائرات المسيرة وحواملها الثلاثية لتركيب الأسلحة قد أُعفيت من العقوبات التجارية المفروضة على إسرائيل، مما يزيد من القلق بشأن دور بريطانيا في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية. وقد ربط مسؤول سابق في الخارجية بين هذه الثغرات وبين "الإنكار" الذي ساد قبل غزو العراق عام 2003، محذرًا من تكرار أخطاء الماضي التي وثقها تقرير تشيلكوت، والذي دعا إلى تمكين الموظفين من الاعتراض على السياسات المثيرة للجدل.
سياق أوسع: تصاعد القلق الدولي
تأتي هذه الاحتجاجات الداخلية في سياق تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل بسبب انتهاكاتها في غزة، حيث وصفت منظمات إنسانية الحرب الدائرة بـ"الإبادة الجماعية". وتشير تقارير إلى أن إسرائيل علقت المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ مارس 2025، مما أدى إلى تفاقم أزمة المجاعة وتهديد حياة ملايين المدنيين. كما أثارت خطط النقل القسري لسكان غزة، بدعم من إدارة ترامب، مخاوف من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
في الوقت ذاته، يواجه الموقف البريطاني انتقادات متزايدة بسبب استمرار العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، رغم الدعوات المتكررة من منظمات حقوق الإنسان لفرض عقوبات شاملة. ويُنظر إلى احتجاجات موظفي الخارجية كمؤشر على وجود انقسامات داخلية عميقة، تعكس صراعًا بين التزامات الحكومة الدولية ومبادئ موظفيها الأخلاقية. مطالب بتحقيق مستقل تزايدت الدعوات من داخل الخارجية البريطانية ومنظمات حقوق الإنسان لإجراء تحقيق مستقل في مدى التزام الحكومة بالقانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بتصدير الأسلحة ودعم إسرائيل. وطالب الموظفون بفتح حوار مفتوح حول السياسات الحكومية، بدلاً من اللجوء إلى "تكتيكات التخويف" مثل دعوات الاستقالة. كما دعت منظمات إنسانية إلى فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ومحاسبة المسؤولين عن أي تواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان.