تكشف استجابة المجتمع الدولي لأسرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن نفاق صارخ. تنال قضايا الأسرى الإسرائيليين في غزة تغطية إعلامية واسعة وضغوطًا دبلوماسية ومناشدات عاجلة لإطلاق سراحهم، بينما يُعتقل آلاف الفلسطينيين – بينهم أطفال وصحفيون وأطباء – دون تهم، ويتعرضون للتعذيب، بل يُقتلون في سجون الاحتلال، في ظل تجاهل عالمي مطبق.

 

موت في سجون الاحتلال: مجزرة صامتة

منذ 7 أكتوبر 2023، استُشهد ما لا يقل عن 59 أسيرًا فلسطينيًا في سجون الاحتلال بظروف مشبوهة، دون أي تحقيق دولي، فيما تُواصل إسرائيل انتهاكاتها دون رادع. أحدث الضحايا، الأسير مصعب هنية، قُتل على يد سجانيه، ضمن سياسة ممنهجة تشمل الضرب الوحشي والتجويع والإهمال الطبي والتعذيب في ظروف قاسية. رغم فداحة الجرائم، لم تُطالب أي دولة غربية بتحقيق مستقل.

 

ازدواجية في التعامل مع الأسرى

عند أسر جنود إسرائيليين، يُسارع المجتمع الدولي لإدانتهم كـ"جرائم حرب" ويعقد اجتماعات طارئة، بينما يُصمت العالم على تعذيب الأسرى الفلسطينيين حتى الموت. تُستخدم سياسة "الاعتقال الإداري"، الموروثة من الاستعمار البريطاني، لاحتجاز الفلسطينيين دون محاكمة، مستهدفة نشطاء وطلابًا وأطباء.

 

استهداف الأطباء والصحفيين

خُطف الطبيب حسام أبو صفية من مستشفى كمال عدوان في غزة، في خرق واضح للقانون الدولي، لكن قضيته لم تلقَ اهتمامًا إعلاميًا غربيًا. الصحفيون والأطباء يُعتقلون بذرائع أمنية عامة، ويُعاملون بقسوة داخل السجون، ما يفضح تسييس الاعتقال وغياب المساءلة.

 

شهادات من الداخل

يُعاني الأسرى المُفرج عنهم من صدمات جسدية ونفسية. الأسير محمد أبو طويلة خرج بآثار حروق وكيّ وصدمات كهربائية وتشويه متعمد في الوجه. منظمات حقوقية مثل "بتسيلم" و"هيومن رايتس ووتش" وثقت هذه الانتهاكات، التي تُخالف اتفاقية مناهضة التعذيب، دون أن تؤثر على دعم الحكومات الغربية لإسرائيل.

 

استشهاد خضر عدنان: مأساة بلا صدى

خاض الأسير خضر عدنان إضرابًا عن الطعام 86 يومًا احتجاجًا على اعتقاله الإداري، حتى استُشهد في زنزانته. بدلًا من إثارة الغضب الدولي، مرّ استشهاده بصمت، وطُوي في زحمة الأخبار، عكس التحرك الفوري عند أسر أي جندي إسرائيلي.

 

سياسة الإفراج: ابتزاز سياسي

يُفرج عن الأسرى الإسرائيليين غالبًا بضغط دولي، بينما يُطلق سراح الفلسطينيين فقط بعد "صفقات" تأتي عقب مجازر واقتحامات. لا يُطالب العالم إسرائيل بإطلاق سراح المعتقلين الإداريين، بل يستخدم ملف الأسرى الفلسطينيين كورقة ابتزاز سياسي.

 

اللغة والتمييز الإعلامي

يُوصف الأسرى الإسرائيليون بأنهم "رهائن" أو "جنود مخطوفون"، بينما يُوسم الأسرى الفلسطينيون – حتى الأطفال منهم – بأنهم "إرهابيون". تُوظف اللغة لتجريد الفلسطيني من صفة الضحية وتحويله إلى مجرم، مما يُسهم في شيطنة قضيته وتغييبها عن الرأي العام.

 

تجاهل مؤسساتي وصمت دولي

لا تُولي محكمة الجنايات الدولية اهتمامًا للتعذيب المنهجي في السجون الإسرائيلية رغم اختصاصها. المنظمات الغربية والحقوقية تُدين الانتهاكات في أماكن أخرى، لكنها تلوذ بالصمت حيال جرائم الاحتلال، في تواطؤ مكشوف.

 

دعوة للمساءلة

لإرساء العدالة، يجب كسر هذا الصمت، وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن جرائمها بحق الأسرى. على وسائل الإعلام أن تُنصف الأسرى الفلسطينيين، وعلى الحكومات والمؤسسات الحقوقية أن تُطالب بتحقيقات وعقوبات، أسوة بأي انتهاك مشابه.

النفاق في تعامل العالم مع الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين يمثل فشلًا أخلاقيًا مدويًا. يُعامل الإسرائيليون كضحايا، يُحتفى بهم وتُطالب حريتهم، بينما يُهمل الفلسطينيون ويُعذبون ويُتركون ليموتوا في العتمة.

كم فلسطينيًا آخر يجب أن يُقتل في سجون الاحتلال حتى يكفّ العالم عن تجاهل الحقيقة؟

https://www.trtworld.com/opinion/israeli-captives-get-headlines-palestinian-prisoners-get-graves-18269492