في تقرير لمراسلة الشرق الأوسط في بي بي سي يولاند كنيل، يتكشف الواقع القاسي الذي تواجهه النساء الحوامل والأمهات الجدد في غزة، حيث تحول الحمل والولادة من لحظات فرح إلى أوقات خوف ومعاناة شديدة، وسط الحصار الخانق والقصف المستمر.
يعاني حديثو الولادة والأجنة من أوضاع صحية متدهورة نتيجة لنقص الغذاء الحاد. تشير الأمم المتحدة إلى أن واحدًا من كل عشرة أطفال حديثي الولادة إما خديج أو ناقص الوزن. كما ترتفع معدلات الإجهاض، والولادات الميتة، والتشوهات الخلقية.
في مستشفى ناصر في خان يونس، تحكي ملك بريص، الحامل في شهرها السابع، عن خوفها من الولادة المبكرة بسبب قصف إسرائيل والأوامر المتكررة بالإخلاء. فقدت ملك جزءًا كبيرًا من السائل الأمنيوسي قبل ستة أسابيع، وقال لها الأطباء إن سوء التغذية والإرهاق هما السبب، وإن مصير الجنين بات بيد الله.
يُصعّد سوء التغذية من أخطار الحمل، لكن الولادة أصبحت أكثر خطورة كذلك. منذ 2 مارس، فُرض حصار شامل على غزة، قالت إسرائيل إنه يهدف للضغط على حماس، ولم يُخفف جزئيًا إلا قبل أسبوعين. تشكو المرافق الصحية من نقص حاد في الأدوية، حتى المسكنات، ومستلزمات النظافة الأساسية.
العديد من النساء يلدن داخل خيامهن أو الملاجئ دون رعاية طبية. وإذا نُقلن إلى المستشفيات، تُخرج المرأة التي تلد طبيعيًا بعد ثلاث أو أربع ساعات، بينما تُخرج النساء اللواتي أجرين عمليات قيصرية بعد 24 ساعة فقط، بحسب الممرضة الأمريكية ساندرا أدلر كيلين، التي عملت مؤخرًا في غزة.
تقول كيلين إن الأطفال الذين يولدون بوزن أقل من 1400 جرام، والذين يُفترض أن يُبقوا في العناية المركزة خارج غزة، يُرسلون إلى منازلهم لعدم توفر الأماكن.
في مستشفى ناصر، تضاعف الضغط بعد توقف مستشفى الأوروبي القريب عن العمل إثر قصف إسرائيلي في 13 مايو، استهدف، بحسب الجيش الإسرائيلي، زعيمًا محليًا لحماس في قاعدة تحت الأرض. تتهم إسرائيل حماس باستخدام المستشفيات دروعًا بشرية، وهو ما تنفيه الحركة.
يصعب الآن على نحو 55 ألف حامل في غزة الحصول على رعاية قبل الولادة، ما يجعل القلق النفسي شديدًا عند الولادة. يقول الدكتور أحمد الفرا، مسؤول قسم الأطفال والنساء في مستشفى ناصر: "تشعر النساء أن أطفالهن لن يحصلوا على التغذية أو الرعاية اللازمة، ويخشين ولادة أطفال بوزن منخفض أو بمشاكل صحية". ويضيف: "بعد الولادة، يسيطر القلق على الأمهات حول قدرتهن على الرضاعة أو حتى توفير الحليب الصناعي في ظل نقص الغذاء".
في أحد الملاجئ بغزة، تمسح آية السكافي دموعها وهي تنظر إلى صور ابنتها جنان التي توفيت بعمر أربعة أشهر. وُلدت جنان خلال هدنة قصيرة وكانت بصحة جيدة، لكن آية عجزت عن إرضاعها بعد انقطاع الغذاء، وعانت الطفلة من الجفاف وسوء التغذية. فشل الأطباء في إيجاد الحليب المناسب لها، وتوفيت. تقول آية: "صرخت للعالم: أنقذوا ابنتي من الموت، لكن الله وحده سمعني".
تحاول منظمات مثل تحالف تغذية الاطفال بغزة، ومقرها في اسكتلندا، تدريب العاملين المحليين على دعم الأمهات في الرضاعة. تؤكد كيلين، وهي خبيرة رضاعة، أهمية الاستمرار في الرضاعة حتى عند سوء تغذية الأم، إلا إذا كانت حالتها خطيرة. وتحذر من الاعتماد على الحليب الصناعي الذي يقلل من إدرار الحليب ثم ينقطع، وسط غياب الحليب والماء النظيف.
تحكي كيلين عن حالات مأساوية كثيرة. إحدى الأمهات أنجبت في خيمتها بعد أن عجزت عن الوصول إلى المستشفى بسبب القصف، ومات طفلها بعد أيام من صعوبة في الرضاعة. أخرى نجت مع رضيعها من قذيفة دبابة، لكنها أصيبت بشظايا قطعت قنوات الحليب، واحتاجت لمساعدة متخصصة.
أم لأربعة أطفال، استفادت من دعم غذائي، لكن قُصف مخيمها فقُتل زوجها، وتلقت لاحقًا أمر إخلاء عسكري. أُغمي عليها أثناء الفرار ولم ترضع طفلها لثلاثة أيام. في حالتها، وُجد الحليب الصناعي أخيرًا.
تحكي كيلين عن أم أخرى، جمانة عرفة، التي أنجبت توأمًا بصحة جيدة وأرسلت لكيلين رسالة شكر وصورًا. بعد ثلاثة أيام، قُتلت جمانة، طفلاها، ووالدتها في قصف إسرائيلي أثناء وجودهم في مأوى بدير البلح، بينما كان زوجها يستخرج شهادات ميلاد الطفلين. قال الجيش الإسرائيلي إنه لا يعلم بالحادث، وإنه يستهدف "أهدافًا عسكرية فقط" مع تقليل الأذى للمدنيين.
تصف كيلين الواقعة بأنها "مأساة فوق الوصف"، وتقول إنها لا تزال تبكي كلما تذكرتها.
في غزة، أصبحت الولادة اليوم رمزًا للبقاء لا للفرح. تحت القصف والجوع، تحولت الحياة الجديدة إلى معركة من أجل النجاة.
https://www.bbc.com/news/articles/c626ljrp21yo