هو ثامن أيام ذي الحجة، ينطلق فيه الحجاج إلى منى. ويبدؤون بالاستعداد لهذا النسك العظيم ويتأهبون فيه ليوم للوقوف بعرفة يوم المغفرة والعتق من النار.
أحد الأيام التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى
يوم التروية هو أحد أيام العشر الفاضلة، التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إذ قال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [سورة الفجر:1-2]، والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه -يعني عشر ذي الحجة-، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه، وماله فلم يرجع بشيء» (رواه البخاري برقم (916)).
معنى يوم التروية
وسُميَ يوم التروية بهذا الاسم لأن الحجاج كانوا يروون فيه من الماء من أجل ما بعده من أيام؛ قال العلامة البابرتي في “العناية شرح الهداية” (2/ 467): [وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى] اهـ.
وقيل أنه سمي بذلك لحصول التروي فيه من إبراهيم في ذبح ولده إسماعيل عليهما السلام؛ قال العلامة العيني في “البناية شرح الهداية” (4/ 211): [وإنما سمي يوم التروية بذلك؛ لأن إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ رأى ليلة الثامن كأنَّ قائلًا يقول له: “إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك”، فلما أصبح رؤي، أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح؛ أمِنَ الله هذا، أم من الشيطان؟ فمِن ذلك سمي يوم التروية] .
أعمال يوم التروية
1- إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة استحب للذين أحلوا بعد العمرة، وهم المتمتعون أو من فسخوا إحرامهم إلى عمرة من القارنين والمفردين، أن يحرموا بالحج ضحى من مساكنهم، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة.
أما القارن والمفرد الذين لم يحلوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول.
لقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي ﷺ: ‘فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي ﷺ ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج" مسلم (2137)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ‘فإذا كان يوم التروية أحرم وأهلّ بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، وإن شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة هذا هو الصواب، وأصحاب النبي ﷺ إنما أحرموا كما أمرهم النبي ﷺ من البطحاء، والسُّنّة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، وكذلك المكي يحرم من أهله'.
2- يستحب لمن يريد الإحرام الاغتسال، والتنظف، والتطيب، وأن يفعل ما فعل عند إحرامه من الميقات.
3- ينوي الحج بقلبه ويلبي قائلًا: لبيك حجًا، وإن كان خائفًا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط، فقال: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وإذا كان حاجًا عن غيره نوى بقلبه الحج عن غيره، ثم قال: لبيك حجًا عن فلان، أو عن فلانة، أو عن أم فلان إن كانت أنثى، ثم يستمر في التلبية ‘ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ‘، وإن زاد: لبيك إله الحق لبيك، فحسن لثبوت ذلك عن النبي ﷺ.
4- يستحب للحجاج التوجه إلى منى ضحى اليوم الثامن قبل الزوال والإكثار من التلبية.
5- يصلي الحاج بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر التاسع قصرًا بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا يقصران؛ لقول جابر رضي الله عنه: (وركب النبي ﷺ إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس) رواه مسلم (2137). ويقصر الحجاج من أهل مكة الصلاة بمنى، فلا فرق بينهم وبين غيرهم من الحجاج، لأن النبي ﷺ صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم قصرًا ولم يأمرهم بالإتمام، ولو كان واجبا عليهم لبينه لهم.
6- يستحب للحاج أن يبيت بمنى ليلة عرفة، لفعله ﷺ. فإذا صلى فجر اليوم التاسع مكث حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت سار من منى إلى عرفات ملبيًا أو مكبرًا، لقول أنس رضي الله عنه: ‘كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه" (رواه البخاري (1549) بلفظه، ومسلم (2254)، وقد أقرهم النبي ﷺ على ذلك، لكن الأفضل لزوم التلبية، لأن النبي ﷺ لازمها.
7- ماتم ذكره من أعمال اليوم الثامن يسن للحاج فعلها تأسيًا بالرسول ﷺ، وليست واجبة، فلو قدم إلى عرفة يوم التاسع مباشرة جاز، لكن لابد أن يقف بعرفة محرمًا، سواء أحرم يوم الثامن أو قبله أو بعده.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "ثم يخرج إلى منى من كان بمكة محرمًا يوم التروية، والأفضل أن يكون خروجه قبل الزوال، فيصلي بها الظهر وبقية الأوقات إلى الفجر، ويبيت ليلة التاسع، لقول جابر رضي الله عنه: (وركب النبي ﷺ إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس) رواه مسلم (2137)، وليس ذلك واجبًا بل سنة، وكذلك الإحرام يوم التروية ليس واجبًا، فلو أحرم بالحج قبله أو بعده، جاز ذلك، وهذا المبيت بمنى ليلة التاسع، وأداء الصلوات الخمس فيها سنة، وليس بواجب'.
من الأخطاء التي تقع من البعض يوم التروية
- اعتقاد البعض لزوم الإحرام من المسجد الحرام، والسُنَّة أن يُحْرِمَ الإنسان من موضعه بمكة.
- اعتقاد البعض أنه لا يصح أن يحرم الحاج بثياب الإحرام التي أحرم بها في عمرته.
- قيام كثير من الحجاج بالاضطباع من هذا اليوم إلى نهاية الحج، وهذا خطأ؛ فالاضطباع لا يُشرع إلا عند طواف القدوم أو طواف العمرة فقط.
- ظن بعض الناس ممن كان في مِنى قبل يوم التروية، أنه يلزمه العودة إلى مكة والإحرام منها، والصواب أنه لا يلزمه ذلك، بل يُحْرِم من مكانه.
- ترك البعض سنة قَصْر الصلاة في منى، أو القيام بالجمع بين الصلوات دون حاجة شرعية.