في تطور لافت قد يرسم ملامح مرحلة جديدة من مسار الحرب في غزة، كشفت مصادر خاصة لقناة الجزيرة، اليوم الاثنين، عن توصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، إلى صيغة اتفاق مبدئي لوقف دائم لإطلاق النار، وذلك خلال مفاوضات جرت في العاصمة القطرية، الدوحة.
ويقوم الاتفاق، وفقًا للمصادر، على هدنة تمتد لـ60 يومًا، تتخللها عملية تبادل للأسرى تشمل الإفراج عن 10 محتجزين إسرائيليين على دفعتين، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين وتسليم جثث محتجزين. كما يشمل الاتفاق إدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق، بمعدل ألف شاحنة يوميًا، إضافة إلى انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من محاور غزة الشرقية والشمالية والجنوبية في اليوم الخامس من سريان الهدنة.
وتضمن واشنطن -بحسب المصدر ذاته- قيادة مفاوضات مكثفة خلال فترة التهدئة، تهدف إلى تحقيق وقف شامل ودائم للحرب، وسط تعهد أميركي واضح بمنع استئناف العمليات العسكرية حال تعثر المفاوضات. كما ينص الاتفاق على آلية للتمديد التلقائي للهدنة بعد انتهاء مهلة الستين يوما، بضمانات دولية ورقابة الوساطة.
هذه الخطوة، إن دخلت حيز التنفيذ، قد تمهد لتحول جذري في مسار العدوان الإسرائيلي على غزة، وتفتح بابًا أمام مفاوضات سياسية أوسع، طالما طالبت بها الأطراف الإقليمية والدولية.
ويشمل الاتفاق -حسب المصادر- ضمان إدخال المساعدات الإنسانية بشكل غير مشروط من اليوم الأول، وفق البرتوكول الإنساني، بضمان أميركا والوسطاء. وأضافت المصادر أن المبعوث الأميركي نقل الاتفاق إلى الحكومة الإسرائيلية، وبانتظار ردها النهائي عليه.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية ذكرت مصادر مشاركة بالمفاوضات أن حماس طالبت بضمانات حقيقية من الولايات المتحدة لإنهاء الحرب.
وأضافت أن واشنطن تمارس ضغوطا كبيرة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة، وسط أنباء عن "تحول إيجابي في موقف حماس بإمكانية التوصل لاتفاق جزئي"، وفق ما ذكرت تلك المصادر.
تضارب
غير أن تضاربًا في التصريحات يخيم على أنباء صيغة الاتفاق، ففي حين قال ويتكوف إن إسرائيل وافقت على مقترحه، أكد مسؤول إسرائيلي أنه لا يمكن الموافقة على ما سماه مقترح حماس لوقف إطلاق النار.
وأفادت القناة 14 الإسرائيلية عن مصدر إسرائيلي بأن حكومة نتنياهو رفضت عرض حماس الذي يتضمن الإفراج عن 10 أسرى، مقابل وقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا، وضمانات أميركية لإنهاء الحرب.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر رسمي أن حماس وافقت على صيغة اتفاق تختلف عن تلك التي قبلتها إسرائيل لإنجاز الصفقة.
من جهة أخرى، نقل موقع أكسيوس عن ويتكوف قوله إن إسرائيل وافقت على مقترحه الذي يتضمن إطلاق سراح نصف الأسرى الأحياء، ونصف الأسرى القتلى، معتبرا أن وقف إطلاق النار سيؤدي إلى مفاوضات ذات مغزى لإيجاد مسار نحو وقف دائم لإطلاق النار.
وأضاف المبعوث الأميركي أنه "وافق على قيادة هذه المفاوضات، وهناك صفقة على الطاولة، وعلى حماس أن تقبلها".
ومع هذا التضارب، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن نتنياهو قوله "آمل أن أزف لكم بشرى بشأن الرهائن اليوم أو غدًا"، وأضاف أن "إطلاق سراح الأسرى من صميم أولوياتنا وآمل أن نتمكن من الإعلان عن شيء بهذا الشأن اليوم أو غدًا".
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة على المفاوضات قولها "لا نلاحظ أي تقدم بالمحادثات ولا نعرف ما قصد نتنياهو بكلامه"، كما نقلت الهيئة عن مكتب رئيس الوزراء إن نتنياهو لم يقصد الإعلان عن شيء اليوم أو غدًا بل أشار لجهود التوصل إلى صفقة.
وفي تطور لاحق، قال موقع أكسيوس الأميركي نقلاً عن مسؤول إسرائيلي، إن رجل الأعمال الأميركي الفلسطيني بشارة بحبح كان بالدوحة مؤخرًا نيابة عن ويتكوف.
وأضاف أن بحبح أدار المفاوضات بناء على توجيهات عامة تلقاها من ويتكوف، تتمثل بتضمن أي اتفاق إطلاق سراح 10 أسرى أحياء ووقف إطلاق النار 60 يومًا، كما تضمن التزامًا أميركيًا بأن تجري إسرائيل مفاوضات جادة لإنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن بحبح وافق على مقترح حماس بالإفراج عن 5 أسرى ببداية وقف إطلاق النار و5 في نهايته.
وقال المسؤول الإسرائيلي "رفضنا صيغة توافق عليها بحبح وحماس قد تفسر بوقف الحرب فور انتهاء الهدنة دون تفاوض"، مؤكدًا أن الصفقة التي توصل إليها بحبح مع حماس رفضتها إسرائيل بالكامل.
من جهتها، طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين بإطلاعها على مستجدات الاتفاق.
فرصة أخيرة
ويرى المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن قبول حماس بمبادرة ويتكوف لم يكن قرارًا سهلاً، خصوصًا بعد عشرات آلاف الشهداء، وبعد أن تحول قطاع غزة إلى مسرح مفتوح لآلة القتل الإسرائيلية.
وقال المدهون إن الحركة رأت في هذه اللحظة الفارقة ضرورة التحرك لوقف الإبادة الجماعية المستمرة منذ ما يقارب 600 يوم، في ظل عجز القوى الإقليمية والدولية عن إنهاء الحرب أو حماية الشعب الفلسطيني، وإن الحركة في نهاية المطاف اختارت الموافقة على المبادرة من أجل شعبها، ومن أجل وقف نزيف الدم المستمر، ولعلها الفرصة الأخيرة لإنهاء هذه المجازر المتواصلة.
وترى حركة حماس، وفقا للمدهون، أن هذه المبادرة التي تم تعديلها بالتنسيق مع الوسيط الأميركي قد تفتح الباب أمام وقف شامل أو على الأقل طويل الأمد للعدوان، خصوصًا أنها تنص على إدخال مساعدات إنسانية عاجلة، وتضمن تخفيفًا ملموسًا للحصار، وتلزم الاحتلال بسحب قواته من مناطق واسعة في قطاع غزة.
وبحسب المحلل السياسي، فإنه يبدو أن الحركة حرصت على الحصول على تعهد شخصي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعتباره الطرف الوحيد القادر على التأثير الفعلي والضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، كما أن رعاية الولايات المتحدة المباشرة وغير المباشرة لهذه المبادرة تعطيها قوة سياسية وضمانات إضافية، وتميزها عن المبادرات السابقة التي لم تصمد.
وبرأي المدهون، فإنه "في ظل واقع الاحتلال المتطرف، تبقى الضمانات الأميركية هي العنصر الحاسم في نجاح الاتفاق"، لافتًا إلى أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق نهائي، فإن حماس -على ما يبدو- ملتزمة التزامًا كاملاً بجميع بنوده، وستتعامل معه بمسؤولية عالية.
وفي ما يتعلق بموقف الحكومة الإسرائيلية، اعتبر المدهون أن نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، ليس معنيًا فعليًا بالتوصل إلى هذا الاتفاق، بل من المرجح أن يسعى لعرقلته، سواء بالرفض المباشر أو بمحاولات لتعديل جوهر المبادرة وتغيير معالمها، بحيث تصبح أقرب إلى رؤية إسرائيلية خالصة.
وحسب تقديرات إسرائيل، فإنه يوجد 58 أسيرًا إسرائيليًا محتجزًا في غزة منهم 20 أحياء. ويقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و100 فلسطيني يعانون تعذيبًا وتجويعًا وإهمالاً طبيًا، مما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وأكدت حماس مرارًا استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، مقابل إنهاء حرب الإبادة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة والإفراج عن أسرى فلسطينيين.
لكن نتنياهو يتهرب ويصرّ على إعادة احتلال غزة ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية التي ترفض ذلك ما دام الاحتلال الإسرائيلي مستمرًا.
وقد أطلق الجيش الإسرائيلي في 18 مايو الجاري عملية عسكرية سماها "عربات جدعون" ضمن حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023. وتتضمن الخطط الجديدة احتلال القطاع الفلسطيني بالكامل، وفقًا لما صرح به نتنياهو.