اتهم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حركة حماس بالسعي إلى "تدمير الدولة اليهودية" و"إبادة الشعب اليهودي"، وردّ بذلك على اتهامات بارتكاب "إبادة جماعية مرجّحة" في فلسطين المحتلة، صادرة من بريطانيا وفرنسا وكندا، لا من العالم العربي الذي تُهيمن عليه الصهيونية العربية. وأعرب نتنياهو عن دهشته من "عدم فهم القادة لهذه الحقيقة البسيطة".

لكن هذه "الحقيقة" ليست بسيطة ولا صحيحة. فالصهيونية السياسية منذ نشأتها في كتاب "الدولة اليهودية" لتيودور هرتزل، اعتمدت على تطهير فلسطين عرقياً لتهيئة الأرض للمستوطنين اليهود، وإنشاء دولة يهودية شكلية تُقدَّم كـ"حصن للحضارة الأوروبية في بحر من الهمجية"، بدعم من الاستعمار الغربي الجديد.

قلب نتنياهو الحقيقة بادعائه أن حماس تسعى لإبادة اليهود، في حين سعت "إسرائيل" منذ ما قبل إعلانها "الاستقلال" في 15 مايو 1948، إلى تدمير أي احتمال لقيام دولة فلسطينية. وعلى مدار 77 عاماً، ظلّ المشروع الصهيوني يسعى لإبادة الشعب الفلسطيني، قتلاً أو تهجيراً.

مارست "إسرائيل" ذلك من خلال إرهاب الدولة، مستندة إلى تجارب عصابات صهيونية مثل "إرجون" بقيادة مناحيم بيجن و"شتيرن" بقيادة يتسحاق شامير، وكلاهما أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء. هذه العصابات استهدفت بدايةً البريطانيين والأمم المتحدة، ثم انقضّت على الفلسطينيين، ولا يزال سجل جرائمها شاهداً.

وفي الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال ارتكاب المجازر في غزة، ويشنّ المستوطنون وجنوده هجمات إرهابية في الضفة الغربية والقدس ضمن ما يُعرف بـ"الإبادة الصامتة"، يصف نتنياهو قادة بريطانيا وفرنسا وكندا بأنهم "يشجعون حماس"، ويصف المقاومة بـ"القتلة والمغتصبين وخاطفي الأطفال". في المقابل، قتلت قواته نحو 17500 طفل فلسطيني خلال 18 شهراً، أي بمعدل طفل كل يومين ونصف خلال 25 عاماً، واعتدت جنسياً على أسرى فلسطينيين رجالاً ونساء، واحتجزت آلافاً بلا محاكمة.

تقود "إسرائيل" مشروعاً توسعياً لم تعلن حدوده قط، وتسعى لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" على حساب أراضٍ من الأردن والسعودية ومصر ولبنان وسوريا والعراق، مستفيدة من دعم مستمر من رؤساء أمريكا وزعماء الغرب، بمن فيهم الذين يهاجمهم نتنياهو اليوم.

يسعى نتنياهو، بلعبه ورقة الضحية، إلى إقناع العالم بأن الفلسطينيين هم من يسعون لمحو "إسرائيل"، بينما الوقائع تُثبت العكس. أفراد من ائتلافه الحاكم صرّحوا علناً بنيّاتهم الإبادية. والتطهير العرقي نهج صهيوني أصيل. نكبة 1948 ليست حادثة عابرة، بل مستمرة، وما وقع في 7 أكتوبر يُعد نتيجة للاحتلال لا سبباً له. وقد قتلت "إسرائيل" ما لا يقل عن 54000 فلسطيني، وتُقدَّر أعداد المفقودين تحت الأنقاض بـ11000.

الإبادة تحدث أمام أعين العالم، إذ يهدف الاحتلال إلى سرقة أكبر قدر من الأرض، وقتل أو طرد أكبر عدد من الفلسطينيين. مشاهد الضفة والقدس وغزة تُؤكد ذلك. ادعاء "الدفاع عن النفس" لا ينطبق على كيان محتلّ يبطش بشعب خاضع لاحتلاله العسكري.

رغم صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، تواصل "إسرائيل" ارتكاب جرائم ممنهجة: كل مستوطنة جريمة حرب، وكل مستوطن مجرم، وكل أسير فلسطيني في سجون الاحتلال جريمة بحدّ ذاتها. تُوثق المجازر الحالية في بث حي، ولا يستطيع نتنياهو أو مروّجو الصهيونية إنكارها. هذه هي "الحقيقة البسيطة" التي يريد طمسها.

تُواجه "إسرائيل" أيضاً دعوى إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية، مما يشير إلى أن نهاية نتنياهو ودولته العنصرية القائمة على الفصل العنصري باتت مسألة وقت. فلقد لعب ورقة الضحية كثيراً ولم يعد أحد يصدقه.

 

https://www.middleeastmonitor.com/20250525-once-again-netanyahu-plays-the-victim-card/