كشفت وكالة أسوشيتد برس الأميركية، في تحقيق استقصائي موسّع، عن ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، باستخدامه المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية في قطاع غزة بشكل منهجي، خلال 19 شهرًا من الحرب المدمّرة على القطاع المحاصر.
التحقيق الذي استند إلى شهادات عدد من الشبان الفلسطينيين وجنود إسرائيليين، أكد أن قوات الاحتلال أقدمت مرارًا على إجبار فلسطينيين على التقدّم أمام القوات العسكرية في مناطق خطرة، للتأكد من خلوها من الألغام أو المقاومين، بما في ذلك داخل منازل وأنفاق ومواقع يشتبه بوجود مقاتلين فيها.
وقال الشاب الفلسطيني أيمن أبو حمدان، الذي اعتقله الجيش الإسرائيلي في شمال غزة الصيف الماضي، إنه أُجبر على ارتداء زي عسكري ووُضعت على رأسه كاميرا، ثم دُفع نحو مبانٍ للتفتيش بحثًا عن مخاطر.
وأضاف: "الجنود قالوا لي بوضوح: إما تفعل هذا، أو نقتلك. لم يكن لدي خيار". وأوضح أن هذه المهمة تكررت مع عدة وحدات إسرائيلية خلال أسبوعين ونصف من أسره.
وبحسب ضابط إسرائيلي لم تُذكر هويته، فإن "الأوامر باستخدام المدنيين في الميدان كانت تصدر أحيانًا من مستويات قيادية عليا، وكانت تستخدم فلسطينيًا أو أكثر لتطهير المواقع".
رغم هذه الشهادات، زعم جيش الاحتلال في رده على أسوشيتد برس، أنه "يمنع تمامًا استخدام المدنيين كدروع بشرية، ويمنع أيضًا إجبارهم على المشاركة في أي عمليات عسكرية"، مضيفًا أنه "يحقق في عدة حالات".
لكنّه لم يقدم تفاصيل أو يرد على أسئلة الوكالة بشأن نطاق الظاهرة أو الجهات التي أصدرت الأوامر.
وتؤكد شهادات أخرى نشرها تحقيق سابق لصحيفة نيويورك تايمز في أكتوبر الماضي، أن هذه الممارسة كانت تجري أمام أعين القيادات الميدانية وبمساعدة لوجستية كاملة، حيث أقر جنود إسرائيليون بمشاركتهم أو مشاهدتهم لزملائهم وهم يستخدمون معتقلين فلسطينيين كدروع بشرية.
وتعيد هذه الممارسات إلى الأذهان ما يعرف بـ"إجراء الجار"، الذي استخدمه الاحتلال لسنوات في الضفة الغربية، حيث يُجبر المدنيون على التقدّم أمام الجنود لاقتحام المنازل.
وقد صدر حكم من المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2005 بحظر هذا الإجراء، بعد دعاوى حقوقية ضده.
ومع تكرار الجرائم، لا تزال بعض الحالات تُسجّل، إذ وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام الاحتلال مدنيين كدروع بشرية عام 2009، كما أصدر الجيش نفسه عام 2002 أمرًا عسكريًا يحظر استخدام الجنود كدروع بشرية، دون أن يتم الالتزام به فعليًا.
وكانت صحيفة هآرتس العبرية وصحيفة الجارديان البريطانية قد نشرتا تحقيقات مشابهة خلال الأشهر الماضية، أكدت أن هذه الانتهاكات ليست معزولة، بل تنفذها وحدات مختلفة من الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
وبحسب ناداف فايمان، المدير التنفيذي لمنظمة كسر الصمت، وهي منظمة إسرائيلية تضم جنودًا سابقين توثق انتهاكات الجيش: "الاستخدام المنهجي للمدنيين كدروع بشرية يكشف عن انهيار أخلاقي هائل داخل الجيش الإسرائيلي، حتى أن هذه الممارسة أصبحت أشبه ببروتوكول معتمد لدى العديد من الوحدات القتالية".