يحلّل جوزيف مسعد في مقال منشور على موقع ميدل إيست آي ما يصفه بـ"الإبادة الجماعية" في غزة، ويعتبرها جزءًا من حرب ديموجرافية على السكان تخوضها إسرائيل منذ نشأتها بهدف ترسيخ تفوقها السكاني اليهودي، عبر الطرد والقتل الجماعي للفلسطينيين. يرى الكاتب أن الهدف الأساسي للهجمات على غزة وعمليات التهجير المقترحة يتمثل في إعادة فرض التفوق العددي اليهودي الذي تحقق خلال نكبة 1948.
استوعب قادة الحركة الصهيونية منذ بداياتها أن نجاح مشروعهم الاستعماري يعتمد على وجود أغلبية يهودية، ما دفعهم لتبني سياسات طرد منهجية منذ تأسيس المنظمة الصهيونية في أوائل القرن العشرين. ومع النكبة عام 1948، طردت القوات الصهيونية أكثر من 760 ألف فلسطيني وقتلت ما يزيد عن 13 ألفًا، ما رفع نسبة اليهود من 30% إلى 81% في الدولة المعلنة حديثًا. استمرت هذه السياسة حتى بعد احتلال الضفة وغزة عام 1967، حيث طرد الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ما زاد من تعقيد التوازن السكاني.
بعد الاحتلال، شكّل التوسع الجغرافي تحديًا ديموجرافيًا، إذ انخفضت نسبة اليهود في المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل من 89% إلى 56%. ومع تزايد أعداد الفلسطينيين، سادت حالة من الذعر لدى القيادة الإسرائيلية. حاولت إسرائيل معالجة هذا التراجع من خلال استيعاب مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي في التسعينيات، لكن نصفهم لم يكونوا يهودًا بحسب المعايير الدينية، ما فاقم التوترات الداخلية وأثار قلق المؤسسات الصهيونية.
بحلول عام 2000، تراجع التفوق الديموغرافي اليهودي إلى 52%، وتفاقمت الأزمة في 2010 عندما أصبحت نسبة اليهود 49% فقط. ردًا على ذلك، أقرت إسرائيل "قانون الدولة القومية" عام 2018 لتكريس الطابع اليهودي للدولة قانونيًا، بصرف النظر عن الواقع الديموغرافي. في السنوات التالية، وصفت منظمات حقوقية إسرائيل بدولة فصل عنصري، معتبرة أن سياساتها تهدف للحفاظ على تفوق اليهود.
يشير مسعد إلى أن خطة الحكومة الإسرائيلية بإنشاء هيئة لـ"إدارة الهجرة الطوعية" من غزة، والتي أقرت في مارس 2025، تُعد جزءًا من محاولات مستمرة لترحيل الفلسطينيين. وبالتوازي، يبحث المسؤولون الإسرائيليون، بدعم من الولايات المتحدة، عن دول تقبل هؤلاء المرحّلين، ومنها ليبيا. لكن الكاتب يرى أن استمرار هجرة اليهود من إسرائيل، والتي بلغت مئات الآلاف منذ أكتوبر 2023، يضعف هذه الاستراتيجية. ويخلص إلى أن استعادة التفوق الديمغرافي اليهودي قد بات مستحيلاً دون القضاء الكامل على الشعب الفلسطيني.
https://www.middleeasteye.net/opinion/israels-genocide-gaza-war-demographics