وسط استمرار الغارات الإسرائيلية المكثفة والحصار الشامل الذي يخنق سكان قطاع غزة، استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات تهجير جديدة في شمال القطاع، مرفقًا ذلك بتصعيد دموي طال حتى المستشفيات، بينما تتفاقم الكارثة الإنسانية ويواصل العالم صمته المخزي.
ففي خطوة تمهّد لجولة جديدة من التطهير والتهجير، أصدر جيش الإحتلال الإسرائيلي أوامر إخلاء قسرية لسكان نحو 14 حيًا ومخيمًا شمالي القطاع، شملت: غبن، الشيماء، فدعوس، المنشية، الشيخ زايد، السلاطين، الكرامة، مشروع بيت لاهيا، الزهور، تل الزعتر، النور، عبد الرحمن، النهضة، معسكر جباليا. ويأتي ذلك بعد أسابيع من تهجير سكان رفح، في سياسة إسرائيلية واضحة لتفريغ القطاع من سكانه على مراحل.
استهداف المستشفيات.. قصف متعمد أم سياسة إبادة؟
في تطور بالغ الخطورة، استهدفت قوات الاحتلال مستشفى "العودة" في منطقة تل الزعتر، شمالي القطاع، ما تسبب في اندلاع حريق هائل في مستودعات الأدوية.
وأفادت مصادر طبية أن دبابات الاحتلال أطلقت النار على قسم الجراحات التخصصية، فيما حاصرت محيط المستشفى الذي يؤوي 160 شخصاً بين طواقم طبية وجرحى.
وتستمر القوات في إطلاق النيران بشكل متقطع على المرافق الطبية، ما يعكس نمطاً متكرراً من استهداف المنشآت الصحية كأداة حرب ووسيلة لترهيب السكان وإجبارهم على الفرار.
مجاعة وموت صامت.. 300 شهيد بالجوع خلال أسابيع
من ناحية أخرى، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن عدد الوفيات الناجمة عن الجوع ونقص الدواء وصل إلى أكثر من 300 منذ بدء الحصار الكامل.
وبين هؤلاء، 58 طفلاً وامرأة قضوا نتيجة سوء التغذية، بينما توفي 242 مريضًا بسبب انعدام العلاج، مع تسجيل 300 حالة إجهاض خلال 80 يومًا فقط.
وزير الصحة الفلسطيني ماجد أبو رمضان أكد أن 29 طفلاً قضوا جوعاً في اليومين الأخيرين وحدهما، محذرًا من أن "رقم 14 ألف رضيع مهددين بالموت ليس مبالغة، بل قد يكون أقل من الواقع".
نتنياهو يتحدث عن هدنة وهمية ويهدد بمزيد من الحرب
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أشار إلى احتمال "وقف مؤقت لإطلاق النار" مقابل إطلاق المحتجزين لدى المقاومة، لكنه عاد ليؤكد أن الحرب "ستستمر حتى تحقيق كافة الأهداف"، في تلميح إلى رفض أي اتفاق حقيقي.
هذا التناقض في التصريحات أثار غضب حركة حماس، التي رأت في حديثه "محاولة لخداع العالم واستغلال أي هدنة لترتيب صفوف جيشه وتنفيذ مخطط التهجير القسري".
الحركة حملت واشنطن المسؤولية السياسية والأخلاقية عن التصعيد، خصوصًا مع ما وصفته بإعادة إنتاج "صفقة ترامب" عبر بوابة غزة، داعية الإدارة الأميركية لتوضيح موقفها من عمليات التهجير الجماعي التي ترتقي لجريمة حرب.
المجزرة الصامتة في السجون.. شهادات تعذيب وقتل تحت التحقيق
وفي سياق متصل، أعلنت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني عن استشهاد المعتقل عمرو حاتم عودة (33 عامًا) في معسكر "سديه تيمان" الإسرائيلي، الذي يُعرف بأنه مركز لتعذيب معتقلي غزة.
ووفق البيان، فإن الشهيد عودة اعتُقل مع أسرته خلال الاجتياح البري في ديسمبر وترك خلفه ثلاثة أطفال.
وارتفع عدد الشهداء من المعتقلين الفلسطينيين إلى 70 منذ بدء الحرب، بينهم 44 من غزة، بينما بلغ إجمالي عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ 1967 إلى 307.
وتؤكد المؤسسات الحقوقية أن الأسرى يتعرضون يوميًا للتجويع والتعذيب والإهمال الطبي والاعتداءات الجنسية في ظروف غير إنسانية.
المشهد الميداني.. مجازر متواصلة وصمت دولي
أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن حصيلة الشهداء خلال الـ24 ساعة الماضية بلغت 107، والإصابات 247، ليرتفع عدد الضحايا الإجمالي منذ 18 مارس إلى 3613 شهيدًا و10,156 مصابًا.
أما منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023 فبلغ عدد الشهداء 53,762 والإصابات 122,197، في واحدة من أبشع الحروب التي عرفها التاريخ الحديث.
الإعلام العالمي ينتفض: "إسرائيل أصبحت منبوذة"
صحيفة هآرتس العبرية نفسها دقّت ناقوس الخطر، وكتبت في افتتاحيتها أن "إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة"، داعية إلى إنهاء الحرب فورًا والانسحاب من غزة، ومشيرة إلى أن مشاهد الجثث والجوعى والأنقاض صارت عبئًا أخلاقيًا لا يحتمل.
أما في أوروبا، فقد تصاعدت الضغوط على إسرائيل مع تحرّك الإعلام البريطاني لفضح المجازر، وفتح شاشاته لعرض معاناة الفلسطينيين في ظل التجويع المتعمّد والحرمان من الماء والدواء.
التفاوض ينهار والدوحة تُفرغ
في تطور سياسي لافت، أعلنت القناة 13 العبرية أن إسرائيل قررت سحب كامل فريقها التفاوضي من الدوحة، في إشارة إلى انهيار محادثات التهدئة، بينما تستمر في تهجير السكان وقصف المستشفيات دون رادع دولي.