في تقرير مطول من 12 صفحة نشره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تحت عنوان مرضى الفشل الكلوي بلا رعاية”، تناول فيه تداعيات حرب الإبادة على مرضى الفشل الكلوي.  

ويوثّق التقرير معاناة المرضى الذين اضطروا للنزوح إلى وسط وجنوب القطاع بحثًا عن خدمات الرعاية الصحية، متناولًا شهادات قاسية لذوي مرضى توفوا بعد تقليص ساعات الغسيل من 12 إلى 4 ساعات أسبوعيًا. كما استعرض معاناة مرضى ما زالوا يكافحون للحصول على جلسة غسيل واحدة أسبوعيًا في ظروف كارثية.

ويبين الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقريره أن 6 من أصل 7 مراكز متخصصة بتقديم خدمات غسيل الكلى في غزة تعرضت لدمار واسع النطاق أو خرجت عن الخدمة بشكل كامل، بينها أربعة مراكز في محافظتي غزة والشمال، ومركزان في محافظات الوسطى والجنوب.

ويشدد على أن مرضى الفشل الكلوي تركوا بلا رعاية صحية، فمن تبقى منهم في محافظة غزة والشمال انقطع عن الغسيل لفترات طويلة ومتكررة، وساءت حالتهم الصحية داخل منازلهم المحاصرة، يئنون تحت وطأة الألم، يصارعون الموت ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة.

ويشير التقرير إلى أن من المرضى من أرغم على النزوح القسري إلى جنوب قطاع غزة بحثًا عن مكان يقدم جلسات غسيل الكلى لإنقاذ حياته، عــــاش ظروفًا مأساوية بسبب تكرار النزوح وعدم ملاءمة مراكز الايواء، فعانى صعوبة بالغة في الحصول على الجلسات التي تــــــم تقليصــها إلى أقل من الحد الأدنى، جراء وجود المئات من المرضى ينتظرون أمام عدد قليل من أجهزة غسيل الكلى، إلى جانب معاناتهم من انقطاع متكرر عن الغسيل وشح في الغذاء والــــدواء.

 

معاناة غسيل الكلى

يعاني رامي سكر من مرض الفشل الكلوي منذ عام 2004، وقد أجرى عملية زراعة كلية في مصر في العام نفسه إلى أن أصيب مجددًا بالمرض في عام 2014، ليبدأ في مشوار آلام غسيل الكلى بمعدل 12 ساعة أسبوعيًا

سكر (46 عاما)، من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، متزوج وأب لـ 3 أطفال، ومع اندلاع حرب الإبادة نزح برفقة ابنته (11 عاما) إلى مدينة خانيونس حتى يتمكن من إجراء غسيل الكلى، تاركًا زوجته وأطفاله بمدينة غـزة.

أقام سكر في خيمة داخل مجمع ناصر الطبي حتى ليكون بالقرب من مكان العلاج، إذ انخفض معدل ساعات الغسيل الكلى إلى 6 ساعات أسبوعيًا، إلى أن اعتقلته قوات الاحتلال وعدد آخر من المرضى بعدما اقتحمت المجمع الطبي.

يقول سكر: “أخبرناهم رغم إخبارهم أننا مرضى بالفشل الكلوي، ونقوم بإجراء عملية الغسيل، إلا أنهم اقتادونا إلى منطقة ميراج شمال مدينة رفح، حيث أجروا لنا فحصًا أمنيًا بواسطة كاميرات مثبتة في المكان. وأطلقوا سراحنا بعد تحقيق الميداني”.

بعدها نزح سكر مجددا إلى رفح بالقرب من مستشفـــى أبو يوسف النجار حيث تكررت معاناة غسيل الكلى نظرًا لتكدس مرضى الفشل الكلوي، “وبعد اجتياح مدينة رفح، اضطررت للنزوح مرة أخرى إلى مدينة دير البلح بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى، للحصول على جلسات غسيل الكلى. كانت رحلة من العذاب، كـــلها فترات خوف، وذل، وقهر. وكنت أشعر بالخوف المستمر على طفلتي”.

 

معطيات صادمة

وكشف التقرير أن 472 مريضًا بالفشل الكلوي يمثلون 41% من إجمالي المرضى البالغ استشهدوا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من أصل 1200 مريض، مبينًا أن العدد الأكبر من وفيات مرضى الفشل الكلوي تركز في محافظتي غزة والشمال نتيجة اقتحام وتدمير مراكز الغسيل وحرمان المرضى من الوصول إلى جلساتهم بانتظام، ما فاقم تدهور حالتهم الصحية وأدى إلى وفاتهم.

ويفيد الفلسطيني لحقوق الإنسان بأن 62 جهاز غسيل كلوي ما تزال تعمل بكفاءة منخفضة، بعد تدمير الاحتلال 78 جهازًا من أصل 140 جهازًا ما أدى إلى تقليص معدلات الخدمة المقدّمة للمرضى إلى النصف، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستهلكات الطبية.

ويوضح التقرير بأن هناك حاليًا نحو 728 مريضًا يترددون على خدمات الغسيل الكلوي، موزعين على 4 مراكز أُعيد تشغيلها رغم الأضرار الجسيمة، هي: مستشفى الشفاء بغزة (280 مريضًا)، مستشفى الزوايدة الميداني (50 مريضًا)، مجمع ناصر الطبي بخان يونس (260 مريضًا)، ومستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (138 مريضًا).

وينقسم مرضى الكلى في قطاع غزة إلى ثلاثة أصناف: مرضى القصور الكلوي المزمن من الدرجة الخامسة ويحتاجون لإجراء عملية الغسيل الكلوي لمدة 12 ساعة أسبوعيا بمعدل 3 جلسات، مدة كل جلسة 4 ساعات، ويبلغ عددهم 1200 مريض.

أما الصنف الثاني من المرضى فهم الذين أجريت لهم عمليات زراعة الكلى، داخل وخارج قطاع غزة، ويبلغ عددهم تقريبًا ٤٠٠ مريض، ويحتاجون إلى تناول أدوية مثبطة للمناعة مدى الحياة؛ والثالث هم أصحاب المرض المزمن (القصور الكلوي، امراض الكلى المناعية)، وأيضًا يحتاجون لأدوية مثبطة للمناعة. هذا بالإضافـة إلى الأمراض الوراثية (تكيس الكلى، والتهابات البول المتكررة)، في حين تمثل خدمة غسيل الكلى “الديلزة” 45% من خدمات أمراض الكلى المقدمة في قطاع غزة.

 

موقف القانون الدولي

ويؤكد التقرير الحقوقي أن الحصار العسكري على المستشفيات واقتحامها، وقتل واعتقال الطواقم الطبية والمرضى، وتدمير الأجهزة والمعدات الطبية، ومنع توريد الوقود لتشغيل المستشفيات، تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقًا لميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

ويربط التقرير بين هذه الأفعال وبين ما حظرته الفقرتان (ب) و(ج) من المادة الثانية في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والتي تحظر إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بأفراد جماعة ما، أو إخضاعهم عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرهم المادي كليًا أو جزئيًا.

وحمّل الفلسطيني لحقوق الإنسان قوات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تدهور الحالة الصحية لمرضى الفشل الكلوي ووفاة المئات منهم بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، والتي تفرض عليها اتفاقيات جنيف التزامات قانونية واضحة في توفير الرعاية الصحية للسكان المدنيين. كما وضع التقرير هذه الانتهاكات ضمن نمط أوسع من الجرائم المرتكبة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي دعا خلالها قادة الاحتلال إلى “إبادة سكان قطاع غزة”.

ودعا التقرير في توصياته المجتمع الدولي إلى ضرورة التدخل العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية، والسماح بتدفق الأدوية والمستهلكات الطبية وأجهزة غسيل الكلى إلى قطاع غزة، والعمل على توفير بدائل فاعلة تضمن استمرار تقديم الخدمة لمرضى الفشل الكلوي، بما في ذلك السماح لهم بالسفر لتلقي العلاج خارج القطاع.