بعد 19 شهرًا من التضليل الرسمي حول غزة، بدأت الحكومات الغربية تعيد صياغة خطابها، ولكن دون تغيير في جوهره. ومع اقتراب إسرائيل من استكمال مشروعها القائم على التطهير العرقي والإبادة الجماعية، بدأ الغرب بإطلاق تصريحات إدانة "جديدة"، وصفها مسؤول إسرائيلي بأنها جزء من "كمين مخطط له مسبقًا". فرنسا، وكندا، وبريطانيا وصفت ما يجري في غزة بأنه "غير متناسب" و"لا يُطاق"، لكن هذه التصريحات ليست سوى محاولة لإدارة الغضب الشعبي دون المساس بالشراكة مع إسرائيل.

وسائل الإعلام الغربية عدّلت خطابها أولًا، لتُمهّد الطريق أمام تصريحات القادة السياسيين. هذا التحول لا يعني شيئًا على أرض الواقع، بل يهدف إلى كسب الوقت لإسرائيل كي "تُنهي المهمة" – أي تستكمل الإبادة الجماعية. تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزرائه تؤكد ذلك بوضوح، حيث وصفوا إدخال بعض شاحنات المساعدات بأنه مجرد خطوة دعائية لاحتواء الغضب الغربي.

في ظل حصار شامل، حذر مسؤول أممي من أن 14 ألف رضيع مهددون بالموت خلال 48 ساعة. ورغم ذلك، لم تسمح إسرائيل سوى بدخول جزء ضئيل من المساعدات، دون أن يصل أي منها فعليًا إلى السكان. وزير المالية الإسرائيلي تحدث صراحة عن "تدمير كل ما تبقى" من غزة، فيما تحدّث قائد عسكري سابق عن "قتل الأطفال كهواية"، وهي تصريحات قوبلت باتهامات بـ"معاداة السامية" بدلًا من الرد على فحواها.

منذ بداية الحرب، ارتكبت إسرائيل كل ما يدخل في تعريف الإبادة الجماعية: دمرت المنازل، والمستشفيات، والجامعات، ومصادر المياه والغذاء، وأعادت السكان إلى "العصر الحجري"، كما هددت منذ عشرين عامًا. دراسة حديثة أجراها صحفيون هولنديون أظهرت إجماع علماء دراسات الإبادة الجماعية على أن ما يحدث في غزة يرقى إلى إبادة مكتملة الأركان.

وعلى الرغم من ذلك، لم تكن ردود فعل الغرب على قدر الجريمة. التصريحات الجديدة لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني لا تزال تفتقر لأي مضمون فعلي. التهديدات بفرض "عقوبات محددة" لا تُقنع أحدًا، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا فشلوا حتى الآن في مجرد تمييز المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية.

وعلى النقيض، أظهر الغرب قدرة عالية على فرض عقوبات صارمة على روسيا بسبب أوكرانيا، بما في ذلك حظر النفط وعقوبات اقتصادية واسعة، رغم أن روسيا لم تُتّهم بارتكاب إبادة جماعية كالتي ترتكبها إسرائيل. اكتفت بريطانيا هذا الأسبوع باستدعاء السفيرة الإسرائيلية، وتعليق مؤقت لمحادثات التجارة الحرة، وهي خطوات رمزية أكثر من كونها إجراءات عقابية.

المثير للسخرية أن إسرائيل حظيت مؤخرًا بالمركز الثاني في مسابقة "يوروفيجن"، رغم أصوات المحتجين الذين طالبوا بإقصائها كما حصل مع روسيا. هذه الازدواجية تُظهر بوضوح أن لا إرادة سياسية غربية لاتخاذ أي إجراءات حقيقية ضد إسرائيل، مهما تصاعدت الفظائع.

في النهاية، ما نشهده هو مسرحية مدروسة بدقة: يعبّر القادة الغربيون عن "غضبهم"، فيما تستمر إسرائيل في تدمير غزة، بدعمٍ معلن أو صامت من هؤلاء القادة أنفسهم، وعلى رأسهم كير ستارمر. والدماء التي تسيل في غزة، لن تُمحى بمجرد بيانات جوفاء أو خطوات رمزية، لأنها تقود مباشرة إلى أبوابهم.

https://www.middleeasteye.net/opinion/uk-ignore-starmer-theatrics-gaza-trail-blood-leads-straight-his-door