كشف تحقيق استقصائي للتلفزيون الألماني العام، أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تَورط في تسريب وثائق محرفة لصحيفة ألمانية شهيرة، في محاولة لتشويه موقف حركة حماس من مفاوضات وقف إطلاق النار خلال حرب غزة الجارية.
التحقيق، الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلاً عن القناة الأولى الألمانية (ARD)، أظهر أن نتنياهو أقام علاقات وثيقة مع صحيفة بيلد الألمانية، استخدمها كمنصة لتمرير وثائق رسمية مسربة، تتهم حماس – وتحديدًا قائدها في غزة آنذاك، الشهيد يحيى السنوار – بعرقلة التوصل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار.
تسريب مشوّه.. واستخدام سياسي
وبحسب التحقيق الألماني، فإن إحدى الوثائق التي سُربت إلى بيلد زُعم أنها صادرة عن السنوار في ربيع 2024، وتدعو إلى صفقة "جزئية" تقوم على وقف لإطلاق النار لمدة 84 يوماً.
غير أن الوثيقة الأصلية -التي حصل عليها الصحفيون الألمان- تعكس موقفًا مغايرًا تمامًا، إذ تظهر أن حماس أبدت مرونة كبيرة في المفاوضات، وسعت فعلاً إلى صفقة طويلة الأمد تشمل تبادلًا إنسانيًا للأسرى.
التحقيق أكد أن الوثيقة سُربت إلى الصحيفة الألمانية بعد "تحريف خطير" لمضمونها، إذ تم حذف مقاطع أساسية تُظهر أن السنوار كان مستعدًا للمضي نحو حل شامل، وتقديم تنازلات لتحقيق تقدم في المفاوضات. وعلى النقيض من الصورة التي سعى نتنياهو لتصديرها عبر الإعلام الألماني، فإن الوثيقة الأصلية تفيد بأن حماس كانت تبحث عن حلول متدرجة لإنهاء الحرب.
استغلال إعلامي.. وتضليل للداخل الإسرائيلي
لم يتوقف الأمر عند حدود التسريب، بل اتضح أن نتنياهو استخدم هذه الوثائق المفبركة في خطابه السياسي والإعلامي، موجهًا رسائل للرأي العام الإسرائيلي بأن حماس ترفض التفاوض، لتبرير استمرار العمليات العسكرية، ورفض أي ضغوط دولية متزايدة لوقف الحرب.
الأخطر، كما يشير التحقيق، أن نتنياهو روّج لرواية أن عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس تتفق مع موقفه، بينما تُظهر وثائق وشهادات متطابقة أن العديد من هؤلاء تبنوا -في واقع الأمر- مواقف تطالب بالإسراع في عقد صفقة تبادل، وإنهاء الحرب فورًا.
سجلّ طويل من التضليل الإعلامي
ليست هذه المرة الأولى التي تتورط فيها إسرائيل بتقديم روايات مزورة عبر الإعلام الدولي.
ففي سبتمبر 2024، نشرت بيلد وصحيفة ذا جويش كرونيكل البريطانية وثائق منسوبة إلى حماس، زعمت أنها تحتوي على خطط السنوار للمرحلة المقبلة من الحرب.
غير أن نتائج التحقيقات اللاحقة كشفت أن الوثائق إما مفبركة بالكامل أو صيغت بطريقة لا تعكس مواقف فعلية لقيادات حماس.
كثير من المتابعين وصفوا تلك الحملة بأنها "عملية تضليل استراتيجية" هدفت إلى كسب تعاطف الغرب واستمرار الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل.
شهادة دامغة من رفح.. الرصاص في الصدر والرأس
يتقاطع هذا التحقيق مع نمط إسرائيلي متكرر من التلاعب بالرواية، خصوصًا عند ارتكاب جرائم ميدانية، كما حدث في مجزرة طواقم الإسعاف والدفاع المدني في حي تل السلطان غرب مدينة رفح، يوم 23 مارس 2025، والتي أعدم فيها جنود الاحتلال 15 من أفراد طواقم الإنقاذ بدم بارد.
في حين ادعى جيش الاحتلال حينها أن القوات استهدفتهم "في منطقة قتال خطيرة"، برز مقطع مصور عُثر عليه في هاتف أحد الشهداء، يُظهر إطلاق النار المباشر على الطواقم رغم ارتدائهم ملابس الإسعاف، واستخدامهم لسيارات تحمل إشارات الهلال الأحمر وأضواء الطوارئ.
وأكد تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أن هذه الرواية المتغيرة من جيش الاحتلال الصهيوني تمثل جزءاً من "نمط مألوف من الإنكار والتلاعب بالحقائق"، بدأ منذ أسابيع الحرب الأولى، ويستمر في طمس الحقيقة وتضليل العالم بشأن ما يجري في غزة.