منذ 7 أكتوبر 2023، اعتمد جو بايدن سياسة وُصفت مرارًا بـ"العناق الدبّي" تجاه الاحتلال الصهيوني عبر الدعم العلني والتحمس لالاحتلال الصهيوني، خاصة في صراعه الإقليمي مع المقاومة وإيران، بينما سعى بهدوء لتقييد عملياته في غزة.

أما دونالد ترمب، وفق ما يوضح جوشوا كيتينج في مقاله المنشور على موقع فوكس، فيقوم هذا الأسبوع بجولة تفاوضية تشمل عدة دول في الشرق الأوسط، لا تتضمن الكيان الصهيوني.
وبرغم نفيه لاستبعادها، وادعائه أن الرحلة "جيدة جدًا لإسرائيل"، فإن الواقع يعكس تغيرًا كبيرًا في النهج الأمريكي.

ترمب لا يبدو مهتمًا بكبح جماح الاحتلال الصهيوني في غزة، لكنه أيضًا أقل اهتمامًا بدعمه إقليميًا أو تنسيق السياسات معه.
فإدارته تواصل تبني خطاب "مؤيد بشدة للاحتلال الصهيوني"، إلى جانب معاقبة منتقديه في الداخل الأمريكي، لكن عمليًا، لا يبدو أن ترمب يُولي اعتبارًا يُذكر لمواقف الاحتلال الصهيوني في تحركاته الخارجية.

يقول نِمرود نوفيك، مستشار السياسة الخارجية السابق لرئيس وزراء الاحتلال الصهيوني الراحل شمعون بيريز: "الرسالة الوحيدة الثابتة من ترمب هي: لدي خطط للمنطقة، يمكنكم الانضمام، أو تجاهلها كما شئتم".

هذا ليس ترمب الذي كان الاحتلال الصهيوني يتوقعه
   
حين أُعيد انتخاب ترمب في نوفمبر الماضي، غمرت السعادة حكومة الاحتلال الصهيوني.
أشاد بنيامين نتنياهو بـ"أعظم عودة في التاريخ"، متوقعًا "تجديدًا قويًا للتحالف الصهيوأمريكي".

ولأسباب وجيهة: خلال ولايته الأولى، اتخذ ترمب خطوات غير مسبوقة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بسيادة الاحتلال الصهيوني على الجولان، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران.
كما رعى "اتفاقيات أبراهام" التي طبّعت العلاقات بين الاحتلال الصهيوني ودول عربية.

وحتى في ولايته الثانية، ظهرت إشارات على استمرار هذا النهج.
فقد عيّن مايك هاكابي، المسيحي الصهيوني المتشدد، سفيرًا لدى الاحتلال الصهيوني.
وشنت إدارته حملة واسعة ضد الناشطين في الجامعات المناهضين الاحتلال الصهيوني.
كما رفع ترمب القيود التي فرضها بايدن على تصدير السلاح للاحتلال الصهيوني وعلى مستوطنين عنيفين في الضفة.

واقترح ترمب "تطهير غزة" من سكانها لبناء منتجع، وهو تصريح لقي ترحيبًا من اليمين الصهيوني المتطرف.

لكن في القضايا الإقليمية الأوسع يتخذ ترمب مسارًا مختلفًا
خلال الشهور الأخيرة، تفاوضت إدارة ترمب مباشرةً مع ثلاثة من أعداء الاحتلال الصهيوني الأساسيين (حماس- إيران- الحوثيين) دون التنسيق مع تل أبيب.

في مارس، أفادت تقارير بأن مبعوث ترمب لشؤون الرهائن أجرى محادثات مع حماس لإطلاق سراح أسرى أمريكيين، دون علم الاحتلال الصهيوني.
ورغم أن هذه الخطوة أثارت ضجة وأدت إلى إبعاده عن الملف، فقد أُفرج لاحقًا عن آخر أسير أمريكي عبر مفاوضات قادها مستشار ترمب ستيف ويتكوف، بعد تواصل من مجموعة "عرب أمريكيون من أجل ترمب".
ولم تعلم سلطات الاحتلال الصهيوني بالأمر إلا من خلال استخباراتها.

كما فاجأ ترمب نتنياهو خلال اجتماع في البيت الأبيض بإعلانه بدء محادثات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي.
وهو ما اعتبرته سلطات الاحتلال الصهيوني تجاوزًا لمطالبها بإزالة كامل لقدرات إيران النووية.
لكن مسؤولي الإدارة لمحوا إلى أنهم قد يقبلون برنامجًا نوويًا مدنيًا لطهران، ما يعيد النقاش إلى ما قبل انسحاب ترمب من اتفاق أوباما في 2018.

وفيما رحبت قيادة الاحتلال الصهيوني بالحملة الجوية الأمريكية ضد الحوثيين، أعلن ترمب مؤخرًا وقفها بعد تلقيه "ضمانات" من الحوثيين بعدم استهداف السفن الأمريكية، دون الإشارة إلى الاحتلال الصهيوني، رغم تعرض مطار تل أبيب لهجوم قبل أيام.

يعلق آرون ديفيد ميلر، المفاوض المخضرم في الإدارات الأمريكية المتعاقبة: "لا توجد إدارة، جمهورية أو ديمقراطية، أجرت مثل هذا الانخراط المستقل مع أعداء إسرائيل كما تفعل إدارة ترمب الآن".
 

جمهوريون جدد يلتقون شرقًا أوسط مختلفًا
   
ما الذي يفسّر برودة العلاقات؟ أحد التفسيرات أن ترمب بدأ يشعر بالإحباط من نتنياهو.
فخلال لقائهما الأخير، رفض ترمب رفع الرسوم الجمركية على الاحتلال الصهيوني، قائلاً: "نمنح إسرائيل 4 مليارات دولار سنويًا، هذا كثير. بالمناسبة، تهانينا".

حتى بعض منتقدي ترمب داخل أمريكا أشادوا بهذا التحول، مثل توماس فريدمان الذي كتب أن نتنياهو "ليس صديقنا"، ومستشار بيرني ساندرز السابق الذي رأى أن ترمب "تعامل مع نتنياهو بفعالية أكثر من بايدن".

لكن التحول لا يتعلق بنتنياهو وحده، فالجناح "المقيد" في السياسة الخارجية الجمهورية بات أكثر تأثيرًا، رافضًا التدخلات العسكرية الواسعة.
ونائب الرئيس جي دي فانس صرح بأن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها، لكن أمريكا لا يجب أن تُجرّ لحرب مع إيران.

في خطابه بالرياض هذا الأسبوع، هاجم ترمب "صُنّاع الحروب" و"البنائين الأمميين"، ما يشير إلى صعود هذا التيار.

كما أن الشرق الأوسط نفسه تغيّر.
الخليج بات الوجهة الأولى لترمب، حيث الأسلحة والتكنولوجيا والصفقات العقارية. بينما لم يتضمن برنامجه زيارة للكيان الصهيوني أو حتى لمصر والأردن.

السعودية والإمارات، اللتان تحالفتا سابقًا مع الاحتلال الصهيوني ضد إيران، سلكتا مسارًا مختلفًا.
فهما الآن على وفاق مع طهران، وتسعيان لتقليص التوتر في اليمن والمنطقة، وقد دعم البلدان وقف الحملة الأمريكية ضد الحوثيين.

وهم منزعجون بشدة من حرب الاحتلال الصهيوني في غزة، وتداعياتها على استقرار شعوبهم.
يقول نوفيك: "ما يحدث في غزة لا يبقى في غزة، إنه يزعزع استقرار المنطقة ويؤثر على الأعمال".

موقف لا مبالٍ تجاه غزة
   
هذا التحول لا يمثل الأمل الذي راهن عليه منتقدو دعم بايدن للاحتلال الصهيوني.
فرغم استبعاد الاحتلال الصهيوني من المحادثات الإقليمية، لا تشير إدارة ترمب إلى أي نية للضغط على تل أبيب في ما يخص غزة.
خطة التصعيد الصهيوني تشمل تدمير ما تبقى من مباني القطاع، وإجبار المدنيين على الانتقال إلى "منطقة إنسانية" ضيقة أو المغادرة دون وجود بلد مستعد لاستقبالهم.

ترمب لم يُعلق علنًا على هذه الخطط، ووفقًا لتقارير "أكسيوس"، منح نتنياهو "ضوءًا أخضر" للتصرف كما يشاء.

ومن غير المرجّح أن يستخدم أدوات ضغط رفض بايدن استخدامها، مثل ربط المساعدات العسكرية بسلوك الاحتلال الصهيوني، أو مخاطبة الرأي العام الصهيوني مباشرةً.

وكما يختم جوشوا كيتينج مقاله على موقع فوكس، فإن ترمب غيّر معادلة العلاقة مع الاحتلال الصهيوني، لكن ليس بالضرورة لصالح الفلسطينيين أو لصالح سياسة أمريكية عادلة في الشرق الأوسط.

https://www.vox.com/politics/413077/trump-israel-hamas-houthis-iran