رأى عبد الكريم، الواعظ الديني المقيم في صنعاء، أن اليمن اختار الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ خلال العام ونصف الماضي. أثنى على قرار الحوثيين – الذين يسيطرون على شمال غرب اليمن والعاصمة صنعاء – بالرد العسكري على حرب إسرائيل على غزة. وقال لموقع ميدل إيست آي: "لم نوقف العدوان الإسرائيلي، لكننا شكّلنا تهديدًا كبيرًا"، معتبرًا أن الصمت على هذا "الوحشية" أمر "مخزٍ".

في نوفمبر 2023، وبعد شهر من بدء الهجمات الإسرائيلية على غزة، أطلق الحوثيون حملة من الطائرات المسيّرة والصواريخ استهدفت سفنًا قالوا إنها مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر. شكّلت هذه الحملة أكبر اضطراب في التجارة العالمية منذ جائحة كورونا، وأدت إلى تغيير مسار السفن بعيدًا عن قناة السويس نحو طريق أطول حول رأس الرجاء الصالح. هذا التغيير خفّض حركة المرور البحري في خليج عدن بنسبة 70٪ خلال عامين.

نفّذ الحوثيون أكثر من 250 هجومًا على سفن تجارية وعسكرية، ما منحهم تأثيرًا في الساحة الدولية، لكنه في المقابل وفّر ذريعة للولايات المتحدة لتكثيف ضرباتها الجوية على اليمن.

أعلن الحوثيون هذا الأسبوع وقف الهجمات البحرية مقابل توقف الضربات الأمريكية، مع تأكيدهم استمرار استهداف السفن والمصالح الإسرائيلية. هذا التصعيد منح الحوثيين شعبية محلية وسمعة عسكرية دولية، لكنه كلّف اليمنيين ثمنًا باهظًا.

اعتمد الحوثيون على هذه الحملة في تعزيز تعبئتهم الداخلية. قالت الباحثة إليونورا أرديماجني من المعهد الإيطالي للدراسات السياسية إن الجماعة استغلت خطاب "محاربة إسرائيل وأمريكا" لزيادة التجنيد، ما رفع عدد مقاتليهم من 220 ألفًا عام 2022 إلى 350 ألفًا في 2024. وأضافت أن الحوثيين كثّفوا استهداف الأطفال عبر المناهج والمعسكرات الصيفية التي روجت للعنف.

الحملة وفّرت للحوثيين فرصة لتجربة أسلحة جديدة، من الصواريخ الباليستية والمسيّرات إلى الزوارق غير المأهولة. وصرّح القيادي الميداني علي، في محافظة الجوف، أن الجماعة أسقطت سبع طائرات أمريكية مسيّرة من طراز MQ-9 وطائرتين حربيتين منذ مارس، معتبرًا أن "قتال اليمن ليس مغامرة سهلة".

بالإضافة إلى المكاسب العسكرية، عزز الحوثيون علاقاتهم الإقليمية. قال الباحث محمد السامي من تعز إن الهجمات جعلت الحوثيين لاعبًا إقليميًا بارزًا ضمن ما يُعرف بـ"محور المقاومة". كما أشار إلى تنامي علاقات الجماعة مع شركاء في العراق والقرن الإفريقي، بمن فيهم جماعات سنية مثل الشباب في الصومال والقاعدة في جزيرة العرب. وأكدت أرديماجني أن روسيا كثّفت تواصلها السياسي والعسكري مع الحوثيين منذ أواخر 2023، وشاركتهم بيانات أقمار صناعية وفتحت قنوات تنسيق.

لكن كثيرًا من اليمنيين لا يشاركون الحوثيين الحماسة نفسها. رأى صالح طاهر، أستاذ جامعي في صنعاء، أن الحملة "جلبت شرًا جديدًا للبلاد"، وأن التعافي من آثارها قد يستغرق عقودًا. وأشار السامي إلى أن هذه الهجمات لم تغير الواقع في غزة، ولم تحدّ من المجازر الإسرائيلية. أما داخليًا، فقد تسببت الضربات الإسرائيلية والأمريكية في مقتل وجرح مئات المدنيين، وألحقت دمارًا هائلًا بالبنية التحتية، منها خسائر تُقدّر بـ500 مليون دولار في مطار صنعاء.

كذلك أدى تحويل مسار السفن إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي في بلد يعتمد أكثر من نصف سكانه على المساعدات. وفي استطلاع لمركز صنعاء للدراسات عام 2024، اعتقد 76٪ من المشاركين أن هذه الهجمات ستضر بفرص إحلال السلام في اليمن.

ورغم أن الحملة رفعت من مكانة الحوثيين لدى بعض الأطراف، أعادت الولايات المتحدة تصنيفهم كـ"جماعة إرهابية"، ما زاد من عزلتهم.

لكن عبد الكريم لا يزال يرى في ما حدث "ثمناً يستحق الدفع". وقال: "ندرك أن مواجهة العدوان مهمة شاقة، لكننا لن نتراجع".

https://www.middleeasteye.net/news/what-did-houthis-achieve-18-months-attacks-global-shipping