أعلنت نقابة المحامين تنظيم إضراب جزئي أمام جميع محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية، يوم الخميس 8 مايو، احتجاجًا على فرض رسوم قضائية جديدة وُصفت بـ"غير الدستورية" تحت مسمى "مقابل أداء خدمة مميكنة". القرار فتح جبهة صراع بين نقابة المحامين ومجلس محاكم الاستئناف، وطرح تساؤلات حادة عن مشروعية فرض رسوم جديدة خارج إطار البرلمان، ومستقبل العلاقة بين جناحي العدالة في البلاد.

الإضراب، الذي أعلنت عنه النقابة خلال مؤتمر صحفي حاشد عقده نقيب المحامين عبد الحليم علام، يُعد تتويجًا لتحركات احتجاجية متدرجة بدأت بوقفات صامتة، تلتها مقاطعة جزئية لدفع الرسوم في بعض المحاكم، ثم التوقف الكامل عن سداد أي رسوم على مستوى الجمهورية ليوم واحد. لكن تجاهل السلطات القضائية لهذه الخطوات دفع النقابة، بحسب بيانها، إلى التصعيد بإعلان الإضراب الجزئي، في ظل ما وصفته بـ"التمادي في خرق الدستور وتجاهل صوت المحامين وعدالة مطالبهم".

نقيب المحامين: لا عدالة من جيوب الناس
"دعم العدالة لا يمكن أن يكون على حساب المواطنين"، بهذه العبارة افتتح علام هجومه على الرسوم الجديدة، مطالبًا عبدالفتاح السيسي، بالتدخل لإنهاء الأزمة والتأكيد على خضوع الرسوم القضائية لمظلة القانون والدستور.

وأكد النقيب أن نقابة المحامين منحت مجلس رؤساء محاكم الاستئناف مهلة أسبوعًا بعد الإضراب لإلغاء القرار، وإلا ستدعو إلى جمعية عمومية طارئة تتخذ خطوات أكثر حدة، بينها الإضراب الكلي.

علام أعرب عن دهشته من فرض رسوم جديدة دون الرجوع لنقابة المحامين أو فتح حوار مجتمعي، في تجاهل لما ينص عليه الدستور من كون المحامين شركاء في إقامة العدل.

وانتقد بشدة "الغلاء غير المنطقي" في الرسوم، مشيرًا إلى أن مجرد مراجعة حافظة مستندات صارت تكلف المحامي 33 جنيهًا عن كل ورقة. "إيه الخدمة اللي تستحق المبلغ ده؟ مجرد موظف بيشوف الورقة أصل ولا صورة"، تساءل بلهجة غاضبة، كاشفًا أن الرسم بدأ بـ5 جنيهات فقط عام 2022 وقفز بشكل غير مبرر خلال أقل من ثلاث سنوات.

أزمة دستورية.. ومجلس "غير قانوني"
وضع نقيب المحامين شرعية قرارات مجلس محاكم الاستئناف تحت مجهر التشكيك القانوني، مؤكدًا أن المجلس ذاته لا سند قانوني له في قوانين السلطة القضائية المتعاقبة، بل صدر حكم قضائي ببطلان تشكيله.

وأعرب عن مخاوفه من أن تؤدي هيمنة هذا المجلس على قرارات إدارية إلى "تفتيت منظومة العدالة" وتمييع صلاحيات مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، اللذين يمثلان الجهات الشرعية لإدارة المحاكم.

علام اتهم المجلس بتجاوز صلاحيات القضاة، قائلًا إن "القاضي لا يفرض رسومًا، ولا ينبغي أن يشغل نفسه بتحصيلها، بل عليه أن يتفرغ للفصل في النزاعات". وأضاف أن فرض رسوم مبالغ فيها على التقاضي يدفع المواطن الفقير للبحث عن وسائل أخرى لتحصيل حقه خارج إطار القانون، محذرًا من تهديد هذه الممارسات للسلم والأمن القومي.

نصف مليون محامٍ في مواجهة الرسوم
ويمثل المحامون، البالغ عددهم نحو 500 ألف في أنحاء مصر، قوة ضغط كبيرة داخل المجتمع القانوني، وتاريخيًا كانت نقابتهم لاعبًا رئيسيًا في القضايا الكبرى المتعلقة بالحريات والعدالة. وفي هذه الأزمة، تظهر النقابة عزمًا واضحًا على المضي حتى النهاية. إذ قال عضو المجلس عمرو الخشاب، إن الإضراب الكلي سيكون الخيار التالي حال تجاهل مطالبهم، مضيفًا: "نحن لا نهدد.. نحن نحمي الدستور".

المحامون يعتبرون الرسوم الجديدة خطرًا مزدوجًا؛ فهي تمس حق المواطن في التقاضي، وتثقل كاهل المحامي ماديًا، ما يقلص قدرته على أداء دوره في الدفاع. وقد أوضحت النقابة في بيانات سابقة أن رسومًا أخرى طالت خدمات أساسية، مثل الشهادات التي وصلت إلى 60.5 جنيه، والصيغ التنفيذية التي قفزت إلى 242 جنيهًا، ما يخلق "بيئة عدالة طاردة لغير القادرين".