في مشهد دموي يجسد ما تسعى إليه الاحتلال الإسرائيلي في غزة، قُتل ضابط شرطة بوحشية على يد مسلحين، بينما أعدمت القوات الإسرائيلية ثمانية مسعفين أثناء محاولتهم إنقاذ الجرحى. في الوقت نفسه، يستمر استهداف الصحفيين لضمان طمس الحقيقة، بحيث لا تصل صور المجازر إلى العالم الخارجي.
ما يحدث اليوم ليس مجرد حرب عابرة، بل إبادة جماعية منظمة وتطهير عرقي يتم تنفيذه بدقة مرعبة، بدعم أمريكي، وتواطؤ دولي مشبوه، وتخلي عربي واضح.

 

إبادة ممنهجة ونكبة متجددة

غزة تُمحى من الوجود. الاحتلال لا يدخر جهدًا في استئصال الحياة من القطاع، حيث يتم قصف الأحياء السكنية عشوائيًا، وتُهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، فتتحول إلى أنقاض ورماد. المستشفيات تُقصف وتُحرم من الإمدادات الطبية، المياه مقطوعة، والغذاء شحيح، والهواء مشبع برائحة البارود والجثث المتحللة.

في رفح، التي أصبحت الملاذ الأخير لمئات الآلاف الفارين من الموت، بات الموت أقرب إليهم من أي وقت مضى. تحت خيام ممزقة، ينتظر الأطفال القذيفة التالية، في مشهد يُضاف إلى سجل طويل من جرائم الحرب التي تُرتكب أمام أنظار العالم، لكن بلا محاسبة.

 

خطة الاحتلال: الفوضى بديلًا عن المقاومة

إلى جانب التدمير المباشر، يعمل الاحتلال على تفكيك البنية الاجتماعية لغزة عبر استهداف الشرطة والأجهزة الأمنية، مما يهدف إلى إغراق القطاع في الفوضى والجريمة. بدون وجود سلطة قانونية، ينتشر الخوف والعنف، ويتحول المجتمع إلى نزاعات داخلية، وهذا هو ما يريده الاحتلال: إشغال الناس في قتال بعضهم البعض، بدلًا من مقاومة العدو الحقيقي.

يريد الاحتلال تحويل غزة إلى أرض بلا قانون، ليقول للعالم: "انظروا! لا حكومة، لا نظام، لا دولة، فقط فوضى."

 

حرب شاملة على الحياة والحقيقة

في أي حرب، تُعتبر المستشفيات والطواقم الطبية خطًا أحمر، لكن في حملة الإبادة ضد غزة، أصبحت فرق الإسعاف أهدافًا مشروعة. يتم منعهم من الوصول إلى الجرحى، ويُغتالون أثناء أداء واجبهم، كما يتم تدمير المستشفيات والمراكز الطبية بالكامل.

الهدف واضح: لا علاج، لا أرقام دقيقة للضحايا، لا شهود على الجريمة.

في مستشفيات رفح، الدماء تغمر الأروقة، لكن لا يوجد دواء. يموت الجرحى ليس لأن إصاباتهم قاتلة بالضرورة، بل لأن الاحتلال يتعمد حرمانهم من العلاج. في زوايا المستشفيات، يرقد العشرات من الأطفال المصابين في انتظار مصيرهم، بينما العالم يشيح بنظره بعيدًا.

كما لا يقتصر القتل على البشر، بل يشمل طمس الحقيقة أيضًا. يُستهدف الصحفيون كما يُستهدف المقاومون، لأن الكلمات أصبحت أخطر من الرصاص. مئات الصحفيين قتلوا أو اعتُقلوا أو طُردوا من غزة، لضمان عدم توثيق المجازر.

لكن، رغم كل هذه المحاولات، فشلت إسرائيل في إسكات غزة.

 

غزة تقاوم.. والعالم يتفرج

كل رجل وامرأة وطفل في غزة أصبحوا شهودًا على الجريمة. كل منزل مدمر هو شهادة، وكل أم مفجوعة هي قصة تخبر العالم أن غزة تُباد، بينما يراقب العالم بصمت، وأحيانًا بموافقة ضمنية.

الاحتلال لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل يخوض أيضًا حربًا إعلامية منظمة لتشويه صورة المقاومة، محاولًا فصلها عن دعمها الشعبي. تعمل وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل على تضليل الرأي العام، زاعمة أن الفلسطينيين يستحقون المعاناة لأنهم يرفضون الاستسلام.

لكن، متى كان الاستسلام ضمانًا للبقاء؟ لو رفعت غزة الراية البيضاء اليوم، لن تتوقف الجرائم، بل ستستمر إسرائيل في مشروعها التوسعي، ملاحقة الفلسطينيين لأن وجودهم ذاته يشكل تهديدًا للمشروع الاستعماري الصهيوني.

 

لا مجال للصمت.. يجب التحرك

في مواجهة هذه الجرائم، لا يكفي مجرد التوثيق، يجب اتخاذ خطوات فعلية:

فضح المخطط الإسرائيلي عبر جميع المنصات الإعلامية والسياسية.

منع الانقسام الداخلي، والعمل على تعزيز وحدة المجتمع الفلسطيني.

تحريك الإجراءات القانونية لمحاسبة الاحتلال في المحاكم الدولية.

تصعيد التحركات الشعبية عالميًا، وتنظيم المظاهرات والضغط على الحكومات المتواطئة.

إجبار المثقفين والصحفيين على كشف الحقيقة، حتى لا يتم تزييف الواقع سياسيًا.

إسرائيل تراهن على إرهاق غزة وكسر روحها المقاومة، لكنها لن تنجح. في كل مرة يُقصف فيها منزل، يخرج طفل يحمل العلم الفلسطيني. في كل مرة يتم قصف رفح، يزداد الناس إصرارًا على الصمود. في جباليا، حيث تحولت الأحياء إلى أنقاض، لا تزال روح المقاومة متقدة.

غزة لن تُمحى طالما أن هناك أصواتًا حرة في العالم ترفض الصمت. غزة لن تُهزم طالما هناك من يدافع عن الحق. المقاومة مستمرة، والصمود هو الطريق الوحيد إلى الأمام.

https://www.middleeastmonitor.com/20250402-gaza-will-not-be-defeated-as-long-as-there-are-people-who-refuse-to-stay-silent/