ما وراء الدعوات لتقسيم العراق؟
الجمعة 14 مارس 2025 11:30 م
عاد الحديث عن تقسيم العراق إلى أقاليم ذات حكم ذاتي أو حتى إلى دول منفصلة إلى الواجهة مرة أخرى، وهو موضوع يظهر ويختفي بشكل متكرر تبعًا للصراعات السياسية بين النخب الحاكمة. لكن اللافت هذه المرة أن الدعوة لم تأتِ من الأكراد أو السنة، بل من نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة وأحد قادة الإطار التنسيقي الشيعي.
يرى المالكي أن الشيعة قد يُجبرون على تقسيم العراق، رغم أنهم يسيطرون حاليًا على الحكم. كما ألمح إلى أن الشيعة سيحتكرون السيطرة على النفط باعتباره "حقًا" لهم. وقد لقيت تصريحاته دعمًا من نواب في الائتلاف الحاكم، حيث صرّح أحدهم بأن الشيعة يتعرضون للابتزاز من بقية المكونات، مما يدفعهم للمطالبة بـ "استقلال الشيعة عبر تسع محافظات".
ذهب بعض مؤيدي الإطار التنسيقي إلى أبعد من ذلك، داعين إلى "حق تقرير المصير" عبر استفتاء شعبي لإنشاء "جمهورية العراق الشيعية"، في حين يُفترض أن يؤسس الأكراد والسنة دولهم الخاصة، ليحكم كل طرف "وطنه الجديد" وفقًا لرؤيته.
هذه الدعوات تأتي في سياق عام تراجعت فيه الحقائق الموضوعية، وحلّ محلها الترويج للأكاذيب والمعلومات المضللة، في إطار حملة منظمة تبدو مستوحاة من جهات خارجية، وتحديدًا إيران، التي تواجه انتكاسات متزايدة لمشروعها التوسعي في المنطقة.
الدور الإيراني في مشروع التقسيم
لطالما اعتبرت إيران العراق تابعًا لها منذ أن فرضت سيطرتها عليه عقب الغزو الأمريكي عام 2003، وهو ما سمح لها بترسيخ نفوذها في مؤسسات الدولة العراقية. لكن قاسم سليماني، مهندس العمليات الإيرانية الخارجية والمسؤول السابق عن الملف العراقي، لم يكن من مؤيدي مشروع الأقاليم، لأنه أدرك أن هذه الفكرة قد تمتد إلى إيران نفسها، حيث توجد العديد من القوميات والطوائف التي قد تسعى إلى الحكم الذاتي، وهو أمر لطالما قمعته طهران.
كما كان سليماني يؤمن بأن "ولاية الفقيه" يجب أن تبتلع العراق بالكامل ليصبح "المحافظة الإيرانية الثانية والثلاثين". لتحقيق ذلك، تبنّى استراتيجية تقوم على تجنيد شخصيات سنية وأخرى من طوائف مختلفة، وإدخالهم في الحكومة العراقية لضمان ولائهم لطهران.
منذ سقوط نظام صدام حسين، عارض الشيعة الحاكمون في بغداد أي مشاريع تدعو لتقسيم العراق، كما حدث في استفتاء استقلال كردستان 2017، الذي قوبل برفض واسع من بغداد، لكن الظروف الإقليمية اليوم تختلف.
هل تسعى إيران لتقسيم العراق؟
تشير التطورات إلى أن إيران باتت ترى في تقسيم العراق إلى مناطق حكم ذاتي وسيلة للحفاظ على نفوذها، خاصة بعد خسائرها في المنطقة. لم يعد بإمكانها السيطرة الكاملة على العراق كما كانت تأمل، لذا قد يكون الحل الأنسب لها هو تفكيكه تدريجيًا إلى أقاليم موالية لطهران، ما يسهل عملية ابتلاعه لاحقًا.
في هذا السياق، يمكن فهم تحول موقف قادة الإطار التنسيقي من رفض التقسيم إلى المطالبة به، حيث يسعون إلى تأمين النفوذ الإيراني عبر إنشاء "إقليم شيعي" يضم تسع محافظات، ما يجعل العراق جزءًا من المشروع الإيراني، ولكن بأسلوب غير مباشر.
موقف الولايات المتحدة: صمت أم رفض؟
يبقى السؤال: كيف سترد واشنطن؟ باعتبارها الراعي الأساسي للعراق منذ الغزو عام 2003، حيث أنفقت أكثر من 3 تريليونات دولار وفقدت آلاف الجنود في العراق. هل ستسمح بتقسيمه، أم أنها ستتخذ موقفًا حازمًا لمنع ذلك؟
الإجابة على هذا السؤال قد تكشف الكثير عن مستقبل العراق، وتوضح ما إذا كان المشروع الإيراني سيتمكن من إعادة رسم حدود الدولة العراقية، أم أن هناك قوى إقليمية ودولية ستتصدى لهذا المخطط.