في الجدل الدائر حول فيلم البي بي سي الوثائقي (غزة: كيف تنجو من منطقة حرب) لم يتحدث أحد عن محتواه، الذي يعكس معاناة الفلسطينيين المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.

لم تُسمع أصوات الضحايا التي نقلها الفيلم، كصوت امرأة تهرب بزجاجة ماء فارغة قائلة: "لعنكم الله جميعًا"، أو طفل يروي مشهدًا مروعًا لأجساد ممزقة، أو زكريا الفتى البالغ 11 عامًا، الذي يكسب قوته من تنظيف سيارات الإسعاف.

يُظهر الفيلم أيضًا معاناة الطواقم الطبية، مثل مسعف يضع سماعات رأس لعزل نفسه عن أهوال القصف والقتلى.
أما الطبيب البريطاني محمد طاهر، فقد ظهر وهو يحمل ذراعًا مبتورة لطفل في العاشرة، قائلاً: "انظروا ماذا تفعل إسرائيل بأطفال غزة".
لكن هذا هو جوهر منع هذه الوثائقيات: ليس فقط إخفاء الفيلم، بل إسكات أي وسيلة تمكن الفلسطينيين من التعبير عن وحشية الاحتلال الإسرائيلي.
 

استسلام البي بي سي
   ركزت الضجة الإعلامية على عبد الله اليزوري، الفتى البالغ 13 عامًا الذي روى الفيلم.
ارتكب الفتى ثلاثة "جرائم" في نظر الدعاية الإسرائيلية: أولاً، أنه نجا من القصف، في حين أن أكثر من 14500 طفل لم ينجوا.
ثانيًا، أنه يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ما يجعله أكثر مصداقية لدى الجمهور الغربي.
وثالثًا، أنه كان محايدًا، حيث نقل حتى تصريحات الجيش الإسرائيلي بعد كل مجزرة.

لكن عندما اكتُشف أن والد عبد الله كان نائب وزير الزراعة في حكومة غزة، سحبت البي بي سي الفيلم على الفور. ومع أن الرجل تكنوقراطي عمل سابقًا في وزارة التعليم الإماراتية، وصاحب خلفية أكاديمية بحتة، فإن الإعلام البريطاني وصفه بـ"رئيس حماس" و"إرهابي".

في الواقع، إذا تشكلت حكومة في غزة بعد الحرب، فمن المحتمل أن تضم شخصيات مثل اليزوري، لكنه في نظر الجيش الإسرائيلي يبقى "هدفًا مشروعًا"، كما هو حال الأطباء والصحفيين وعمال الإغاثة الذين استُهدفوا عمدًا.
 

ازدواجية المعايير
   المفارقة أن نفس وسائل الإعلام التي حذفت الفيلم، بثت أفلامًا وثائقية مؤثرة عن هجوم 7 أكتوبر، مثل فيلم "سنرقص مجددًا"، دون أن تشكك في مصداقية الشهود بسبب مواقف أقاربهم أو تاريخهم العسكري.
لكن عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، يُمارس التدقيق الشديد ويتم إقصاء أصواتهم بسهولة.
 

فشل الدعاية الإسرائيلية
   في ظل هذه الرقابة، تبقى بعض الأفلام الفلسطينية قادرة على كسر الحصار الإعلامي، كما حدث مع فيلم لا أرض لنا، الذي كشف مأساة سكان مسافر يطا في الضفة الغربية.
فاز الفيلم بجوائز دولية، وأثار ضجة كبيرة في ألمانيا، حيث حاول الساسة تبرير دعمه لإسرائيل رغم انتهاكاتها المستمرة.

لكن رغم الجهود المبذولة لإسكات الفلسطينيين، فإن الرأي العام في الغرب يتغير بسرعة غير مسبوقة.
في الولايات المتحدة، 59٪ من الديمقراطيين يتعاطفون الآن مع الفلسطينيين، بينما انخفض الدعم لإسرائيل إلى أدنى مستوياته منذ 24 عامًا.

عندما تنتهي هذه الحرب ويحصل الفلسطينيون على دولتهم، سيُنظر إلى هذه الفترة باعتبارها أحلك لحظات إسرائيل والإعلام الغربي. وسيتساءل الجيل القادم: أين كنتم عندما كانت غزة تُسحق تحت القصف؟

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-can-ban-all-films-it-wants-palestinian-voice-cannot-be-silenced