في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية في 6 فبراير، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يمكن للسعودية إنشاء دولة فلسطينية على أراضيها نظرًا لمساحتها الواسعة. قوبلت تصريحاته بإدانة من دول عربية عدة، وأكدت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها في 8 فبراير أن القادة الإسرائيليين المتطرفين لا يدركون أهمية فلسطين بالنسبة للفلسطينيين.

وجاء هذا البيان بعد لقاء نتنياهو مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 4 فبراير، حيث اقترح ترامب ترحيل الفلسطينيين من غزة بشكل دائم، زاعمًا أن السعودية تسعى فقط إلى السلام ولم تشترط التطبيع مع إسرائيل بحل الدولتين. وردت السعودية بالتأكيد على التزامها بإقامة دولة فلسطينية وفقًا لتصريحات ولي العهد محمد بن سلمان في سبتمبر 2024، حيث أكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم تحقيق هذا الهدف.

بعد التصريحات السعودية، شنت وسائل الإعلام السعودية حملة ضد نتنياهو، واصفة إياه بأنه ينحدر من عائلة صهيونية متطرفة. كما رفضت السعودية ودول عربية أخرى مقترحات ترحيل الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن، مما يعقد خطة ترامب للتطبيع. وبالرغم من الهدنة بين إسرائيل وحماس، فإن آثار الحرب لا تزال تعرقل جهود التطبيع. كما أن المخاوف من زعزعة استقرار المنطقة نتيجة تهجير الفلسطينيين تحد من الخيارات المتاحة أمام السعودية والدول العربية لمواجهة خطط اليمين الإسرائيلي المتطرف المدعوم من إدارة ترامب.
 

مشاريع ترامب المتناقضة
ينظر ترامب إلى الصراع العربي الإسرائيلي من منظور اقتصادي، حيث يقترح ترحيل سكان غزة وتحويل المنطقة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، متجاهلًا حل الدولتين. ورغم أنه استخدم هذا المصطلح في 2020، إلا أن سياساته سارت في الاتجاه المعاكس عبر اتفاقيات التطبيع (اتفاقيات أبراهام) التي همشت القضية الفلسطينية.

تتمثل رؤية ترامب في دمج إسرائيل اقتصاديًا وأمنيًا في المنطقة، من خلال تحالف عربي إسرائيلي تدعمه الولايات المتحدة لمواجهة إيران والصين، مع تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية معيشية بدلًا من سياسية.
ويتضح هذا التوجه في دعوته لإخلاء غزة وترحيل سكانها إلى مصر أو الأردن، ما يعني القضاء نهائيًا على حل الدولتين وجعل الدول العربية مسؤولة عن إدارة الشأن الفلسطيني بدلاً من السلطة الفلسطينية.

تسعى إدارة ترامب إلى فرض التطبيع كشرط لتحميل الدول العربية مسؤولية الفلسطينيين، بما يشمل التنسيق الأمني والشراكات الاقتصادية والعسكرية، وهو ما يمنح إسرائيل دورًا مهيمنًا في تشكيل مستقبل المنطقة.
ولا يبدو أن ترامب يأخذ في الاعتبار تبعات خطته على النظام الإقليمي، بل يركز على الفوائد الاقتصادية المحتملة لإعادة إعمار غزة بعد تهجير سكانها.
 

السعودية بين التهجير والتطبيع
   
في السنوات الأخيرة، أبدت السعودية انفتاحًا على التطبيع، حيث استضافت مسؤولين ورياضيين إسرائيليين. وفي 2022، وصف محمد بن سلمان إسرائيل بأنها "حليف محتمل". لكن بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، تغير المشهد، وأكدت السعودية على ضرورة تحقيق حل الدولتين، وأعلنت نيتها استضافة مؤتمر دولي في نيويورك عام 2025 لدعم هذا الحل.

تدرك السعودية أن شرعيتها الإسلامية، بصفتها حامية الحرمين الشريفين، على المحك إذا مضت في التطبيع دون تحقيق نتائج ملموسة للفلسطينيين. ورغم سعيها للحصول على اتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة وتطوير برنامج نووي سلمي، إلا أنها لا تستطيع التضحية بمكانتها العربية والإسلامية، خاصة في ظل رفضها لتهجير الفلسطينيين.

تخشى السعودية أيضًا من تداعيات خطة ترامب على مصر والأردن، إذ أن استمرار الحديث عن التهجير والضم الإسرائيلي يهدد الاستقرار الإقليمي. كما أثارت تصريحات نتنياهو حول إقامة دولة فلسطينية في السعودية غضب الرياض، ما دفعها لشن حملة إعلامية ضده، تعكس استيائها من تعامله الفج مع المملكة.
 

الخطة العربية البديلة
   
تعمل السعودية على قيادة مبادرة عربية بديلة لرفض خطة ترامب، تتضمن إعادة إعمار غزة بتمويل خليجي، واستبعاد حماس من الحكم، وإنشاء هيئة فلسطينية لإدارة القطاع. ومن المقرر مناقشة هذه الخطة في القمة العربية المصغرة التي أُقيمت أمس بالرياض، والإعلان عنها رسميًا في قمة القاهرة الطارئة في مارس. لكن لا يزال من غير الواضح كيفية تنفيذها وما إذا كانت ستتطلب وجود قوات عربية أو دولية على الأرض.

يأمل نتنياهو أن تؤدي الضغوط الأمريكية إلى منع إعادة إعمار غزة، مما يشجع على تهجير سكانها. كما يرغب في تحميل الدول العربية مسؤولية الأمن في غزة بدلًا من إسرائيل، على غرار دعوته السابقة للجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله. لكن الدول العربية لا ترغب في لعب هذا الدور الأمني لصالح إسرائيل، مما يضعها في موقف حساس، خاصة مع عدم وجود توافق عربي حول كيفية الرد على ترامب.

ورغم أن نتنياهو يسعى لتحقيق إنجاز شخصي عبر التطبيع مع السعودية، إلا أنه يرفض تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية. في المقابل، لا تتسرع السعودية في التطبيع، بل تركز على تقليل التوترات الإقليمية وتعزيز مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك علاقتها مع إيران.

تشكل قضيتي التطبيع والتهجير اختبارًا لقدرة السعودية على إدارة خلافاتها مع ترامب دون الدخول في مواجهة مباشرة معه. كما أن تباين المصالح الاقتصادية بين الجانبين قد يضيف تعقيدات جديدة، خاصة في ظل مطالب ترامب بخفض أسعار النفط. ورغم التحديات، لا تزال العلاقات بين الرياض وواشنطن إيجابية، إذ اختار ترامب السعودية لاستضافة قمة أمريكية روسية في 18 فبراير، بينما تواصل المملكة انتقاداتها لإسرائيل دون المساس بالعلاقات مع ترامب.

https://arabcenterdc.org/resource/normalization-and-displacement-saudi-arabia-and-trumps-gaza-proposal/