الدعم الواسع لفكرة ترحيل سكان غزة إلى دول أخرى، إلى جانب التصريحات التي تزعم أنه "لا يوجد أبرياء" في القطاع، يمثل خيانة لكل المبادئ الأخلاقية التي ينبغي أن توجه شعبًا عانى من الهولوكوست.
على جميع من يدعمون مقترح "الهجرة الطوعية" أن يدركوا حقيقة واحدة: الشعب الفلسطيني لن يذهب إلى أي مكان.
تُظهر الاستطلاعات تأييدًا كبيرًا بين الإسرائيليين اليهود لفكرة طرد الفلسطينيين من غزة، وهو أمر صادم يتطلب تأملاً عميقًا، خاصة من شعب عانى من أهوال المحرقة والعنصرية والقتل الجماعي. استعدادهم اليوم لتبني فكرة تعكس هذه الفظائع يشير إلى خلل أخلاقي خطير.
التطهير العرقي كنهج سياسي
فكرة "نقل السكان" ليست جديدة في إسرائيل، فقد روج لها الحاخام المتطرف مئير كاهانا قبل عقود، لكنها عادت بقوة مع صعود شخصيات يمينية متطرفة مثل إيتمار بن غفير، الذي دفع بها إلى التيار العام. الرغبة في إفراغ فلسطين من سكانها الأصليين ليست مجرد فكرة عابرة، بل هي مشروع مستمر يزداد شرعية بمرور الوقت. كيف يمكن لشعب كاد أن يُباد أن يتبنى الأساليب نفسها التي استُخدمت ضده؟
بالنسبة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التطهير العرقي ليس مجرد مفهوم نظري، بل سياسة مدعومة بتصريحات رسمية من مسؤولين إسرائيليين، بعضهم وزراء في الحكومة، يدعون صراحةً إلى الترحيل القسري أو حتى قصف غزة بالقنابل النووية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي دعم بحماسة خطة ترامب، يروج لمفهوم أدانته الإنسانية عبر التاريخ: ابتذال التطهير العرقي.
تحريف أخلاقي وتطبيع للجرائم
عندما أظهر استطلاع للرأي أن غالبية الإسرائيليين اليهود يؤيدون خطة ترامب، فهذا يعني أن العنصرية والاستبداد أصبحا القاعدة. بالنسبة لشعب بُنيت هويته الوطنية إلى حد كبير على تجربة الاضطهاد والتهجير القسري، يبدو أن هذه الجرائم باتت تُعتبر حلاً مشروعًا.
إضافةً إلى ذلك، فإن استخدام ذكرى الهولوكوست بشكل ساخر لتبرير جرائم مماثلة ضد شعب آخر يمثل واحدًا من أسوأ تحريفات التاريخ الحديث. تطالب إسرائيل تطالب العالم دومًا بتذكر المحرقة ومنع إنكارها، لكنها في الوقت نفسه تنتهج سياسة تتناقض تمامًا مع هذه المبادئ. كيف يمكن لدولة أن تطالب بالاعتراف بجرائم الماضي بينما تعمل على محو شعب آخر من موطنه؟
شيطنة المدنيين وتبرير القتل
الترويج لفكرة أن "كل من في غزة مذنب" هو وسيلة لتبرير استهداف المدنيين الأبرياء. هذه هي لغة الجيوش المحتلة التي تعتبر كل فلسطيني عدوًا يجب قمعه أو طرده أو القضاء عليه.
في هذا السياق، يصبح قتل امرأة حامل في شهرها الثامن، مثل سندس شلبي في طولكرم، أمرًا عاديًا، لمجرد أنها "نظرت إلى الأرض بريبة". لا أحد في إسرائيل يُظهر أي رد فعل، ولا حتى وسائل الإعلام التي تركز فقط على "الأمن". هذه المواقف لا تأتي من فراغ، بل تتغلغل في الوعي العام وتتحول إلى سياسات على أرض الواقع.
في غزة، القصف المستمر، والتجويع المتعمد، وهدم المنازل، وقطع الكهرباء والمياه، ليست مجرد أضرار جانبية للحرب، بل أدوات ممنهجة لكسر إرادة الفلسطينيين ودفعهم إلى الانهيار. ولكن كما أثبت التاريخ، الشعب الفلسطيني ليس ضحية سلبية، بل يقاوم بكل الوسائل المتاحة للحفاظ على وجوده وحقوقه.
التطهير العرقي جريمة حرب لن تمر دون حساب
حتى لو تم طرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، فلن يكون ذلك حلاً. فقد جرت عمليات تطهير عرقي في عام 1948، عندما دُمرت 530 قرية فلسطينية وطُرد سكانها أو قُتلوا، ومع ذلك لم يُمحَ الفلسطينيون من الوجود.
اتخذت مصر والأردن موقفًا حكيمًا برفض مقترحات ترامب التي تتعامل مع القضية الفلسطينية كصفقة عقارية. لكن المشكلة لا تقتصر على اليمين المتطرف الإسرائيلي، بل تمتد إلى التيار السياسي العام، وحتى إلى بعض أوساط اليسار، التي تدعم نهجًا كارثيًا.
الشعب الفلسطيني لن يُطرد، لا في غزة ولا في الضفة الغربية المحتلة. التطهير العرقي جريمة حرب أدانها التاريخ مرارًا، ولن يكون مصيرها مختلفًا هذه المرة.
ما نحتاج إليه هو موقف موحد وخطة عملية من العالم العربي والإسلامي، وأيضاً من المجتمع الدولي، الذي يتحمل مسؤولية الدمار في غزة بعد أن أعطى الضوء الأخضر لسلسلة من جرائم الحرب الإسرائيلية. لا يزال هناك مجال لعودة العقل إلى السياسة، قبل أن يترسخ ابتذال الشر بشكل لا رجعة فيه.
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-transfer-plan-banality-ethnic-cleansing