جاءت المكالمة الهاتفية من المبعوث الخاص لدونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، مفاجئة لمساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كان ويتكوف يتحدث من الدوحة في قطر مساء الجمعة الماضي، بعد بدء يوم السبت اليهودي، وأعلن أنه قادم إلى الكيان الصهيوني للقاء نتنياهو.
وعندما اقترح مساعدو نتنياهو تأجيل الاجتماع حتى انتهاء يوم السبت، أصر ويتكوف – البالغ من العمر 67 عامًا، وهو ملياردير ومحامٍ ومطور عقاري – على الاجتماع في الصباح.
وفي اجتماع وصفته بعض وسائل إعلام الاحتلال الصهيوني بأنه "متوتر"، نقل ويتكوف رسالته: كان الرئيس المنتخب مصممًا على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن.
ترامب أراد إنهاء الحرب في غزة، فلديه أولويات أخرى.
وقال مسؤول كبير في حكومة الاحتلال لقناة 14، التي تعتبر مقربة من نتنياهو: "ما حدث هو أن ويتكوف نقل رسالة صارمة من الرئيس الأمريكي القادم، الذي طالب بشكل لا لبس فيه بإتمام الاتفاق."
وكتب ناداف إيال في صحيفة "يديعوت أحرونوت" هذا الأسبوع عن الوضع الذي يواجهه نتنياهو وفريقه المقرب: "نتنياهو ... أدرك فجأة تمامًا أين يقفون مع الرئيس الأمريكي الجديد.
أدركوا أن ترامب يتحدث بنبرة حازمة، ولن يتمكنوا أبدًا من تجاوزه. ترامب، مرة أخرى، يريد صفقة."
لم يكن ويتكوف الشخص الوحيد الذي يعمل على إتمام الصفقة.
خلال عطلة نهاية الأسبوع وحتى هذا الأسبوع، كان الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، وشخصيات بارزة من مصر وتركيا ودول الخليج – جميعهم وسطاء في هذه المفاوضات الطويلة – يضغطون على الاحتلال الصهيوني وحماس للتوصل إلى اتفاق.
ويوم الاثنين، تحدث رئيس المخابرات التركية، إبراهيم قالين، إلى أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس لممارسة ضغط أنقرة الخاص.
القضايا التي كانت نقاط خلاف لعدة أشهر، وخاصة بالنسبة لنتنياهو الذي تراجع في وقت سابق من هذا العام عن صفقة كان قد روج لها بنفسه، أصبحت فجأة مطروحة للتفاوض.
ورغم تصاعد التفاؤل بأن الأطراف باتت قريبة جدًا من التوصل إلى اتفاق، شهدت الأيام التي تلت اجتماع ويتكوف مع نتنياهو سلسلة من الأزمات حول التفاصيل الدقيقة، بما في ذلك مزاعم عن مناورات في اللحظات الأخيرة ورسائل متناقضة.
لكن بحلول بعد ظهر الأربعاء، بدأت المؤشرات تتماشى بسرعة مع قرب التوصل إلى اتفاق، حيث أعلن وزير خارجية الاحتلال ، جدعون ساعر، أنه سيعود إلى الكيان الصهيوني من رحلة خارجية ليكون متاحًا للتصويت على الاتفاق.
وسارع ترامب نفسه إلى نسب الفضل إليه على منصته "تروث سوشيال" يوم الأربعاء، قائلاً: "هذا الاتفاق التاريخي لوقف إطلاق النار لم يكن ليحدث إلا نتيجة لانتصارنا التاريخي في نوفمبر، حيث أشار إلى العالم بأسره أن إدارتي ستسعى لتحقيق السلام والتفاوض على صفقات تضمن سلامة جميع الأمريكيين وحلفائنا".
وأضاف: "أنا سعيد لأن الرهائن الأمريكيين والإسرائيليين سيعودون إلى ديارهم ليجتمعوا مع عائلاتهم وأحبائهم".
تفاصيل الاتفاق
يُعتقد أن الاتفاق يتألف من ثلاث مراحل – وهو قائم على الإطار الذي وضعه بايدن وأقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموافقة نتنياهو (الذي تراجع عنها لاحقًا) في عام 2024.
وينص الاتفاق على الإفراج عن 33 أسير صهيوني على مدى ستة أسابيع، بمن فيهم نساء وأطفال وكبار السن ومدنيون جرحى، مقابل الإفراج عن مئات من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال الصهيوني.
ومن بين33 رهينة، هناك خمس جنديات صهيونيات، سيتم الإفراج عن كل واحدة منهن مقابل 50 أسيرًا فلسطينيًا، بمن فيهم 30 من المدانين بجرائم أمنية خطيرة ضد الاحتلال ويقضون أحكامًا بالسجن مدى الحياة.
وبنهاية المرحلة الأولى، سيتم الإفراج عن جميع المدنيين المحتجزين – سواء كانوا أحياء أو أمواتًا.
وقف القتال وعودة النازحين
يُعد الاتفاق بوقف أولي للقتال لمدة ستة أسابيع، ما يفتح الطريق لمزيد من المفاوضات التي تهدف إلى إنهاء الحرب بالكامل.
لكن لا يزال من غير الواضح متى وكيف سيتمكن الفلسطينيون النازحون من العودة إلى ما تبقى من منازلهم، وما إذا كان الاتفاق سيؤدي إلى إنهاء الحرب بالكامل وانسحاب جيش الاحتلال من غزة؛ وهي مطالب أساسية لحماس مقابل الإفراج عن باقي الرهائن.
مكاسب سياسية للطرفين
يمنح الاتفاق بعض المكاسب لكلا الطرفين.
بالنسبة لنتنياهو، الذي تعهد بمواصلة القتال حتى تحقيق "نصر كامل" – رغم أن هذا الهدف غير واضح وغير واقعي – فإن الإفراج عن الأسرى الصهاينة الأحياء واستعادة جثامين القتلى يُعتبر خطوة نحو تلبية رأي الغالبية العظمى من المستوطنين، الذين يرون أن إتمام صفقة الرهائن يجب أن يكون أولوية.
أما بالنسبة لحماس، فإن تنازلات الاحتلال الصهيوني بشأن الانسحاب من بعض المناطق مثل "ممر نتساريم" والسماح بعودة المدنيين إلى شمال غزة -ولو بعد عمليات تدقيق- تقترب من موقفها الذي يؤكد أن أي صفقة شاملة ممكنة فقط بإنهاء القتال وانسحاب قوات الاحتلال.
لكن لا تزال هناك العديد من النقاط الغامضة والأسئلة غير المحسومة.
أحد الأسئلة الأكثر إلحاحًا التي تواجه نتنياهو هو: لماذا لم يقبل اتفاقًا مشابهًا كان مطروحًا منذ مايو 2024؟
قرار نتنياهو التفاوض في اللحظة الأخيرة تحت ضغط ترامب -متحديًا أعضاء حكومته اليمينية المتطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش- لم يمر دون انتقاد في الكيان المحتل.
كتب بن كاسبيت في صحيفة "معاريف": "أسأل نفسي: أين ذهبت كل العقبات؟ كل الشروط؟ كل الأعذار السخيفة التي طرحها القائد وروجها أنصاره؟ وماذا عن ممر فيلادلفيا (على الحدود مع مصر)؟ أين ذهبت كل العقبات التي ظهرت في اللحظات الحاسمة من المفاوضات؟"
الضغوط على نتنياهو تتزايد
واجه نتنياهو ضغوطًا مزدوجة من الرئيسين الأمريكيين – القادم والحالي – لكنه واجه أيضًا تغييرات في المشهد السياسي الصهيوني، ما سمح له بالمزيد من المرونة.
عودة السياسي المخضرم جدعون ساعر إلى التحالف الحكومي في سبتمبر أضعفت تأثير ابن غفير واليمين المتطرف.
أما بن غفير، فقد بدا أنه قبل الأمر الواقع، قائلاً على منصة X إن حزبه منع الصفقة عدة مرات سابقًا.
كل هذا جعل الأمور معقدة لمؤيدي نتنياهو الذين كانوا يروجون سابقًا لعلاقته الوثيقة مع ترامب.
وعلق المعلق اليميني يعقوب باردوغو على قناة 14 قائلًا: "الضغط الذي يمارسه ترامب الآن ليس هو النوع الذي كانت إسرائيل تتوقعه منه".