لماذا تم اختيار السنوار، العقل المدبر لمعركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر العام الماضي، خلفًا لإسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران الأسبوع الماضي؟
تتعدد الإجابات وتتنوع وقد يكون المغزى الأهم في قلب حماس، إلا أن العديد من المحللين رأوا أنه مهندس طوفان الأقصى، ومن سيكون أقدر منه لاستكمال المعركة المفتوحة وتحمل تبعاتها؟ كما أنها رسالة قوة من حماس تجاه إسرائيل، ولا تخلو من التحدي لها.
أخطر شخص لقيادة حماس
في أعقاب إعلان السنوار رئيسًا للحركة لم تُخفِ إسرائيل ما أصابها من خيبة أمل، وجاء على لسان إعلامييها ومسؤوليها ما يؤكد ذلك الشعور لديهم؛ حيث قالت هيئة البث الإسرائيلية إن تعيين السنوار مفاجئ ورسالة لإسرائيل بأنه حي وأن قيادة حماس بغزة قوية وقائمة وستبقى.
واعتبر المحلل الإسرائيلي لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” آفي يسخاروف أن حركة حماس اختارت “أخطر شخص لقيادتها”، لا سيما أن إسرائيل تعتبر السنوار مهندس عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، التي كبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم.
أما قناة “كان” الرسمية الإسرائيلية فقالت إن اختيار السنوار يُظهر أن حماس في غزة لا تزال قوية.
“سنجعل نتنياهو يلعن اليوم الذي ولدته فيه أمه”.. بهذه النبرة الحادة، وجّه القائد يحيى السنوار خطابه منذ أعوام لكيان الاحتلال، مؤكدًا أن القادم سيفاجئ العدو يومًا ما، وهو ما قد كان يوم السابع من أكتوبر الماضي.
المواجهة مقابل حرب الإبادة
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الله الشايجي إن حماس اختارت المواجهة ردًا على حرب إبادة الصهاينة وتعنت نتنياهو ومراوغاته وإفشاله للمفاوضات.
وأضاف أن "حماس قلبت الطاولة وفاجأت وصفعت نتنياهو وعصابته الفاشية المتطرفة واختارت أخطر صقر من صقورها، السنوار رئيسًا لها، خاصة أنه صاحب الرأي الفصل والأخير داخل غزة والمفاوضات"، وفقًا لـ"الجزيرة".
ورأى أحد المعلقين أن اختيار السنوار قائدًا لحماس بمنزلة إعلان من الحركة وكل أبنائها التفافهم حول الطوفان خيارًا وقرارًا. وأشار إلى أن سرعة القرار والتشاور بين الداخل والخارج تعني أن آليات الشورى والأجهزة التنظيمية في حماس فاعلة، وهي قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية في لحظات دقيقة.
وذهب آخرون إلى أن السنوار هو الأقدر على فهم الشخصية الإسرائيلية، وكيفية تفكيرها ومعرفة مواطن الضعف لديها، ويستطيع ضربها في ما يؤلمها ويؤثر سلبا في نفسيتها فتصاب بالإحباط والانهزامية، كما أن اختيار السنوار خلفا لهنية بالإجماع هي رسالة واضحة للعالم أجمع على وحدة قرار الحركة على اختيار الشخص المناسب للتعامل مع المحتل في هذه المرحلة.
رمزية وجود القائد داخل قطاع غزة
من جانبه أكد الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن اختيار السنوار رئيسًا لحركة حماس له أبعاد منطقية في هذه المرحلة لأسباب ذاتية ولأسباب موضوعية؛ فمن حيث الأسباب الذاتية فإن السنوار هو نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بالإضافة إلى كونه واحدًا من القيادات التاريخية التي أسست الحركة منذ نشأتها.
وأضاف عرابي في مداخلة له على شبكة الجزيرة، أن الأسباب الموضوعية تتعلق بالرد على الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتقد أنه يمكنه خلق حالة من الفوضى والتفكك داخل حركة حماس، فكان رد الحركة أنها متماسكة بحيث تختار رئيسًا لها من داخل قطاع غزة، وهو ما يُمثّل رمزية أخرى لها بُعد أخلاقي؛ حيث تُمثل رمزية وجود القائد داخل القطاع، تطبيقًا عمليًّا لفكرة التحام المقاومة بالشعب الفلسطيني وأنهم يعيشون آلام أهل غزة استشهادًا واعتقالا ومطاردة.
صدمة للاحتلال
أما الكاتب والمحلل الساسي حازم عياد، فيرى أن اختيار السنوار مثّل صدمة للاحتلال الإسرائيلي ولنتنياهو بشكل شخصي، فهو استجابة موضوعية أسقطت الرهانات الإسرائيلية على سياسة الاغتيالات والضغوط العسكرية لابتزاز المقاومة الفلسطينية أو دفعها للتفكك والتراجع عن أهدافها ومطالبها.
وأضاف عياد في مقال له أنه يمثل استجابة إيجابية للتحديات المستجدة المتولدة عن التصعيد الإسرائيلي في جبهات القتال المتعددة من جنوب لبنان إلى الضفة الغربية إلى البحر الأحمر، فهي تؤكد على مركزية قطاع غزة والضفة الغربية في المعركة الآخذة في الاتساع إقليميًّا.
وأكد أن حماس بهذا المعنى أعادت تموضعها بما يتناسب مع المخططات الإسرائيلية ورهانات نتنياهو الحالمة لتوسيع المواجهة والضغط على المقاومة التي بددها اختيار السنوار رئيسًا، كونه يقود المعركة العسكرية والسياسية على بعد أمتار من قوات الاحتلال المحتشدة في قطاع غزة، ويتحدى الاحتلال بشكل يومي في أرض المعركة، وفقًا لـ "المركز الفلسطيني للإعلام".
يتسق مع هذا الطرح الكاتب والمحلل السياسي سعيد زياد، الذي أكد أن هذا الاختيار له دلالة على قوة المقاومة وحيويتها، وأنها قادرة على إدارة مؤسساتها ولديها كفاءة التأمين والتواصل بين الأقاليم المختلفة التي تتواجد فيها الحركة، وذلاك على المستويات الميدانية والسياسية والتنظيمية.
وأضاف زياد في لقاء له على شبكة الجزيرة أن حماس أرادت من هذا الاختيار إيصال رسالة للاحتلال بأن اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية كان خطأ استراتيجيًّا ارتكبته إسرائيل؛ حيث كان يراه كثير من الإسرائيليين أنه الأكثر اعتدالًا داخل حماس، لذا جاء الرد من قبل الحركة بأن المرحلة المقبلة سيقودها رجل هو الأكثر “راديكالية” و”عنفًا” -حسب التصنيف الإسرائيلي-، وكذلك كان هنية -المقيم خارج الأراضي الفلسطينية- يتمتع بأريحية الحركة والتواصل بين الأقاليم لإدارة عملية التفاوض، بينما الآن جاء خلفًا له يحيى السنوار من قلب غزة للتأكيد على أن حماس تدير العملية السياسية من داخل أرض المقاومة.
ورأى أن السنوار “بشدة ذكائه قادر على شق مسارات إستراتيجية كبرى لم يعهدها المجتمع الغزي أو المجتمع الفلسطيني”، مشيرا إلى أن السنوار “بنى قلعة مقاومة في غزة إلا أنه استطاع نقل الصراع إلى مربع مختلف تمامًا، حيث استطاع توظيف القوة في لحظة فارقة في مكمن ضعف عند العدو واستطاع الوصول إلى معركة طوفان الأقصى”.
صفعة جديدة بوجه الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية
بدوره، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي شادي شرف أن اختيار السنوار يشكل “صفعة جديدة بوجه الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد صفعة السابع من أكتوبر الماضي، في إشارة إلى عملية “طوفان الأقصى”.
وشرح في حديث إلى التلفزيون العربي أن السيناريوهات الإسرائيلية لخليفة إسماعيل هنية لم تلحظ اسم السنوار. واعتبر أن هذا الاختيار يشكل تحديًا للمنظومة الأمنية ولكل الضربات العسكرية وحرب الإبادة التي تشن على غزة، لافتًا إلى أن تعيين السنوار يؤكد أن وجهة حماس ما زالت نحو المقاومة والتمسك بهذا الخيار لأن السنوار هو من يقود المفاوضات والعقل المدبر لهجوم طوفان الأقصى.
وذكّر بأن السنوار يحظى بشعبية واسعة ليس فقط لدى حماس بل أيضًا لدى فصائل عديدة موجودة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أنه استطاع إعادة بلورة وصياغة العلاقات مع جميع الفصائل بطريقة كانت مقبولة جدًا مقارنة بالفترات السابقة.